Friday, August 31, 2007

فى فرنسا والدول المتقدمة - الجزء التاسع


:اليوم الثانى عشر

نصحو على نفس الأصوات ... الخبط والدق من الساعة 7 ... بالاضافة كمان لأصوات ناس برة الأوضة ... تقريباً الجيران وهما مستنيين الأسانسير اللى جنب باب أوضتنا لزق ... كنا حاسين الناس دى دخلت معانا الأوضة أصلاُ
أعتقد ان احنا نمنا مرة تانية وصحينا حوالى 8:30 ... متأخر قوى ... والنهاردة الخطة ملهاش أوقات محددة لأن "منى" عايزة تروح "لا ديفنس" تشترى آخر حاجات قبل السفر ومش عارفة هتخلص أمتى

واحنا فى طريقنا الى المترو اكتشفت انى نسيت الكارت أورانج فى الأوتيل ... رجعت لوحدى أجيبه و"منى" كملت طريقها منعاً لمزيد من التأخير ... وهكذا رحت "لا ديفنس" لوحدى ... ما كانش عندى هدف معين من الشوبنج لكن كان لازم أشترى هدية لأبى وأمى ... الأسعار هناك مش رخيصة برغم الأوكازيون ... فيه تخفيضات كبيرة على الملابس فى بعض المحلات ... لكن البارفانات والساعات والأحذية مثلاُ بنفس أسعارها فى مصركماركات عالمية ...المول كبير ... فيه 3 طوابق متسعيين ... تجولت فيهم حتى اقتربت الساعة من الثانية أو أكثر ... كلمت "منى" فكانت لسه مخلصتش فقلت لها انى هاقابلها فى الأوتيل

رجعت الى الشانزيليزيه ودخلت أكثر من محل هناك استكمالاً للشوبنج ... وأنا هناك قررت أعدى على الأوتيل القديم اجيب شنطتى اللى سايباها هناك من السبت الماضى ... كنت محتاجة أوضب حاجتى فيها لأن الشنطة الأخرى أصبحت ممتلئة عن آخرها ... فعلاُ آخذت الشنطة – داهية اتقل من الداهية الأولانية – أجرها ورائى على الأرض وحاولت اختصر الطريق الى الأوتيل التانى فلم أعد الى الشانزيليزيه لكن مشيت فى شارع جانبى قدرت انه اذا استمريت فيه على طول سأصل حتماً الى تقاطع مع "افينيو واجرام" المتفرع منه شارع "تيرن" - فى الصورة - المتفرع منه شارع الأوتيل ... لحسن الحظ الشديد لم يحدث هذا فقط ... بل وصلت الى شارع "تيرن" نفسه مباشرة ... جدير بالذكر هنا ان طوال هذا الطريق المتقاطع مع العديد من الشوارع الفرعية والرئيسية ومع طلوع ونزول العشرات من الأرصفة فى مسيرة استمرت قرب 15 دقيقة لم اضطر لمرة واحدة ... ولا مرة ... انى أرفع الشنطة الثقيلة من على الأرض ... وذلك لأن كل الأرصفة بلا استثناء بها مطلع منحدر فى طرف ومنزل آخر منحدر فى الطرف الآخر فكنت أجر الشنطة بسهولة من رصيف الى الآخر ... ده غبر ان مفيش معوقات "فوق" الأرصفة تضطرك الى النزول من على الرصيف من المنتصف والمشى فى الشارع مثل ثلاجة محل أطعمة أو كراسى قهوة بعرض الرصيف أو أقفاص فاكهة وخضار أو حتى بياعين فارشين بضاعتهم لتحتل الرصيف وتطرد المشاة الى نهر الطريق – إوعوا حد يفتكر انى باتكلم على بلد معينة فيها الحاجات دى هى الوضع الطبيعى للأرصفة لا سمح الله

وصلت الأوتيل وكانت المشكلة هى: أحط الداهية دى فين؟ المكان الوحيد الممكن هو انى احطها بين السرير والشباك من الناحية الخاصة بى من السرير ... لأن شنطتى التانية بين مقدمة السرير والحيطة المقابلة بحيث تترك مكان ضيق جدا يكفى لمرور شخص بالعافية ... ثم من الناحية الآخرى للسرير فيه شنطة "منى" بين طرفها من السرير والحيطة الأخرى ... وما تبقى من مساحة الحجرة فيكفى فقط لحركتنا ما بين باب الحمام وباب الأوضة مروراً بين الدولاب والمكتب الصغير ... مع الترتيب المعقد ده وبوجود الشنطة الجديدة فى مكانها الجديد أصبحت ناحيتى من السرير مسدودة تماماً ... يعنى عشان أنام هادخل السرير من مقدمته زحفاً ... كل ده ولسه فيه شنطتين بتوع "منى" فى الأوتيل القديم برضو لسه مجبناهمش ... غالباً هننام عليهم ... نعمل للسريردور تانى
وعن حالنا فى الأوضة دى فحدث ولا حرج ... أولا كنا بندى بعض اشارات مرور ... حدد الأول أنت رايح فين عشان نعمل تبادل أماكن لأن لا يمكن نقف احنا الاتنين جنب بعض ... يعنى لو أنا عند السرير وعايزة اطلع خطوتين قدام ناحية الدولاب لازم أقول لها عشان تدخل هى مكانى وأطلع أنا برة الى منطقة الدولاب ... ثانياً باب الحمام بيفتح لبرة مش لجوة كما هو متوقع من أى باب حمام محترم ... وجنب الحمام مباشرة وفى اتجاه فتح الباب توجد مرآة طويلة مثبتة الى جدار الدولاب – طبعاً مفيش مساحة تانية ممكن تتحط فيها مراية فكان الحل الأمثل يخلوها جزء من الدولاب – وبالتالى فالواقف أمام المرآة يكون فى اتجاه فتح باب الحمام ... وبالتالى اللى فى الحمام لازم "يخبط" قبل ما يخرج لحسن حد يكون واقف ورا الباب ويلبس فى الدولاب لو الباب اتفتح ... ثالثاً لأن المدة طولت ولازم نغسل لبسنا ومفيش طبعاً هنا حاجة اسمها لاوندرى سيرفس فاضطرينا الى استخدام الحوض كطشط غسيل ومدفأة حرارية مثبتة فى الحيطة كمنشر غسيل بالتبادل مع بعض طبعاً ... مرة تانية أكتشف نعمة الأوتيل الأربع نجوم اللى ماكانش عاجبنا فى الأول

رجعت "منى" حوالى الساعة 5 ... نزلنا بعدها بحوالى ساعة كمان الى "تروكاديرو" ... المكان المواجه لبرج ايفل اللى شرحته قبل كده ... المرة دى ركبنا المترو ونزلنا فى محطة "تروكاديرو" نفسها مش عن طريق عبور الشارع من البرج ... نشرح تانى ... تروكاديرو ده مجمع يتكون من مبنيين كبار على شكل قوس أو نصف دائرة فيهم على اليمين متحف الانسان والمتحف البحرى وعلى الشمال متحف السينما ومسرح ال"شايوه" ثم أمامه جنينة فى وسطها نافورة كبيرة تصب فى حوض كبيييير ولو وقفت فى تروكاديرو بين المتحفين تشوف برج ايفيل كامل أمامك ولا يفصلك عنه سوى كوبرى عريض فوق نهر السين
كان المكان أكثر ازدحاماً بكثير عن المرة السابقة ... فيه أولاد بتعمل "بريك دانس" وأولاد تانيين عاملين منحدر عالى من الخشب بيتزحلقوا عليه بالسكايت بورد ... حتى المراهقين هناك رايقيين ... شعب رايييييق نزلنا من الجزء العلوى المقابل للمتحفين الى المنطقة السفلية حيث النافورة التى تصب فى حوض طويل على مستوى الشارع وعلى جانبيه منحدر من الحشائش يجلس عليهما الناس ... معملناش حاجة تذكر هناك سوى التقاط بعض الصور

اخدنا المترو بعدها الى "ليز انفاليد" ... وهو المبنى ذو القبة الصغيرة الذهبية والمدفون فيه نابليون ... كانت الساعة حوالى 9 أو أكثر ... أول ما طلعنا من المترو خرجنا الى يمين الشارع الموصل بين كوبرى "الكسندر الثالث" و"ليزانفاليد" ... على يمين الشارع ده فيه منطقة أصغر من ان تكون جنينة لكنها رقعة كبيرة من الحشائش تمتد بطول الشارع من الكوبرى وحتى الانفاليد ... وزى جنينة لوكسمبور الناس كلها قاعدة أو نايمة على الحشيش ... فى مجموعة كبيرة – تقريباً عائلة - قاعدة فى دائرة وبياكلوا – الله! دول طلعوا زينا أهوه - ... قعدنا برضو شوية على الأرض واتحركنا مع بداية الغروب ... مشينا لحد الكوبرى ... الكوبرى ده تحفة لوحده ... على أطرافه الأربعة تماثيل ذهبية على قمة أعمدة بيضاء عالية ... وسوره مكون من عواميد اسطوانية بيضاء قصيرة مطعمة بالذهب عند اتصالها بقمة السور وقاعدته ... مع وجود لوحة كبيرة ملتصقة بالسور فى أوله مزخرفة بالذهب ايضاً مكتوب عليها "بون الكسندر ااا" وتاريخ بناء الكوبرى ... الى جانب بعض التماثيل المعدنية الأخرى الصغيرة فوق السور فى موقعين مختلفين من كل ناحية من الكوبرى ... وتمثال ضخم مثبت الى جانب الكوبرى الخارجى بحيث يراه المار فى نهر السين تحت الجسر ... ضوء الغروب الأحمرمع كل الذهب المطعم به الكوبرى وتماثيله كان عامل لوحة خرافية

عبرنا الكوبرى الى محطة الأوتوبيس على يمين الكوبرى مباشرة حيث اخدنا أوتوبيس الى ميدان الكونكورد ... نزلنا فى طرف الميدان وعلى يميننا حديقة التوليرى وعلى شمالنا بداية شارع الشانزيليزيه ... كنا بندور على "بودا بار" ... رستوران – وبار – غنى عن التعريف ... بعد السؤال عرفنا ان لازم نعدى الميدان وندخل فى الشارع المقابل
مع عبورنا الشارع كان فيه أتوبيس سياحى عليه شعار "يوروديزنى" ... الأتوبيس من النوع المفتوح السطح بتاع الجولات السياحية فى الشوارع ... كان فيه كمية كبيرة من الناس على سطحه ... معرفش ايه اللى خللى "منى" تقف تصور المنظر ده ... لكن فجأة الناس دى كلها معرفش ازاى اكتشفت انهم بيتصورا ... قاموا كلهم واقفا وقعدوا يهللوا ويرفعوا ايديهم لفوق ويصوتوا وحاجات غريبة ... فرجوا علينا الميدان كله واحنا فطسانين على روحنا من الضحك ... وبعد ما هديوا شوية ونزلنا الكاميرا فضلوا يشاورولنا باى باى والأوتوبيس بيتحرك ... الظريف انهم كلهم اجمعوا على التصرف ده وهم أكتر من خمسين واحد من جميع الأعمار والأشكال ... ناس دماااااااااااااااااغ

وصلنا "بودا بار" ... فى شارع جانبى صغير لا يدل اطلاقا عن مكان بهذه الشهرة ... هنا معقل موسيقى "بودا بار" المشهورة اللى بدأت بدى جى كان ابن صاحب المكان ده وبيعمل اعادة توزيع لموسيقى من مختلف الثقافات – أكثرها من الشرق الأقصى – وانتشرت الموسيقى دى فى العالم كله ... المكان غريب ... المدخل صغير جداُ وفيه قاعتين صغيرتين على طرفى سلم يؤدى الى قاعة كبيرة يبدو انها الصالة الرئيسية ... ده الى جانب قاعة علوية...المكان كله ضلمة تماماً ومفيش غير ضوء الشموع ... وتمثال "بوذا" الشهير بارتفاع المكان كله يستقر فى منصف الصالة الرئيسية ... من كتر الناس الترابيزات لازقة فى بعضها جداً ... قعدنا على ترابيزة صغيرة جداً لاتنين وجنبنا ترابيزة تانية شبه لازقة فينا لكن لحسن الحظ كانت فاضية

طبعاً مفيش قدامى غير سى فوود ... طلبت أى حاجة لأن معظم الأصناف كانت مش مفهومة قوى ... يعنى ايه "جمبرى بالكارى فى ورق الموز"؟ ... جمبرى وكارى وعارفينهم ... لكن ايه دخل الموز دلوقتى؟ اكتشفت لما جه الأكل ... لقيت طبق اتحط قدامى فيه كتلة ملفوفة بورقة خضراء كبيرة فى شكل أسطوانة محطوطة فى منتصف الطبق ... فكيت اللفة دى لقيت جواها الجمبرى بالكارى ... بس كده ... وضحت؟ الصراحة الأكل كان لذيذ جداً والجو العام للمكان بموسيقى "بودا بار" فى الخلفية كان أكثر من رائع – بالرغم من كراهيتى الشديدة للأماكن المظلمة ... بتخنقنى ... لكن مع ذلك استمتعت جداً ... وطبعاُ منستش آخد السوفينير المعتاد ... عصايتين خشبيتين فى غلاف عليه اسم بودابار
دفعنا كام فى الموضوع ده كله؟ كل واحدة حوالى 50 يورو ... يعنى تقريباً 400 جنيه مصرى ... حتى الآن – ويا رب تكون آخر مرة – دى أغلى وجبة أكلتها فى حياتى ... لكن اعتبرناها تمن 4 أو 5 خروجات محترمة فى مصر ... أنسى الفلوس وعيش ... فاضل يوم واحد

رجعنا بالمترو للشانزيليزيه ... كانت الساعة داخلة على 12:30 ... خلاص فقدنا ... آخر يومين ومعندناش استعداد ا نفكر فى أوقات دخول وخروج ولا أى حاجة ممكن تحصل زى امبارح ... بنفكر بس ازاى نستغل كل دقيقة فاضلة ... ثم ان قطان كان عامل اللى عليه وزيادة ... كل يوم يكلمنا بالليل يعرف احنا فين وهنرجع امتى ... طبعاً كان فرحان بينا أوى لما كل يوم الساعة 11 و12 يلاقينا لسه فى الشارع

دخلنا الأوتيل وفتح لنا الأخ البنجلاديشى ... كان اسمه "قاسم" ... ده بقى كان قصة تانية ... كل يوم يفتحلنا الباب متأخر فيحسسنا انه بابا وقاعد مستنى الهوانم بناته لما يشرفوا ... وكان ناقص يطلع يغطينا والله ... كان راجل طيب جداً ولطيف ... كل يوم يستقبلنا بابتسامته الطيبة ويسألنا عملنا ايه النهاردة واتبسطنا وللا لأ وكده ... فى الليلة دى كنت باتكلم معاه وفجأة بصلى بانزعاج وقاللى "عينيكى حمرا قوى ... انتى كويسة؟" ... قلتله انها تعبانة شوية بقالها كام يوم ...كنت عارفة ان عينى حمرا بلون الدم وشكلى زى اللى شاربة حاجة... كنت عايزة أكمل "ده تعب مش سكرانة والله" ... لو واحد تانى كان أكيييد قال جايين من البار عدل ... مبعدش كتير ... ما احنا كنا فى بار ... بودا بار

فى فرنسا والدول المتقدمة - الجزء الثامن


اليوم الحادى عشر

صوت خبط ودق فوق دماغى ... فتحت عينى ولوهلة مكنتش مجمعة أنا فين! فى هولندا ولا باريس ولا مصر؟ عارفين الشعور ده لما توصل بلد بالليل وتصحى منتش عارف كنت بتحلم وللا ده حقيقى؟ ... النور ضرب فى وشى ... أصوات الخبط والهد حقيقية مش صداع فى دماغى! يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم! ... مش كفاية أوضة فئران نازلين فيها ... كمان دوشة ... والساعة تجيلها 7 الصبح ... اكتشفت بعد كده ان الدوشة دى من جوة الأوتيل نفسه مش من الشارع زى ما كنت فاكرة فى الأول ... نزلت لقيت فيه عمال كتير فى الجزء الخلفى للأوتيل ... هوه أنا كل ما أروح حتة تبقى بتترمم؟ حسيت ان المشكلة فيا أنا .. منور يا عبد الله

المهم ... على ما صحينا ونزلنا كانت حوالى 9 ... قابلنا قطان فى اللوبى ومشينا لحد محطة المترو ... هو كان رايح المطار ... راجع مصر خلاص هو وبقية الشباب ... بدأت أفكر فى احساس ان "الحماية" هتسبنا ... يعنى لو حصل حاجة أو اتأخرت بالليل وخايفة أمشى فى الشارع لوحدى مش هقدر أكلمه يلحقنى؟ ثم أنا ازاى بقيت طفلة صغيرة بطلب الحماية كده؟ وللا هوه ده عادى لأنى أول مرة أسافر لوحدى؟ وللا هوه شعور الهشاشة المصاحب للمرض زى ما قلنا؟ وبعدين قطان نفسه كان عامللى ذعر ... قعد يدينا الوصايا العشر ومتتأخروش بالليل وترجعوا بدرى وتخلى بالكوا وكلام من القلق ده

بمناسبة الناس والسفر ... زمان كنت بسمع الحكمة دى "اختار الرفيق قبل الطريق" وكنت بفسرها على "حسن اختيار الأصدقاء" و "ماما قالتلى مكلمش ناس وحشين" الى آخره ... لكن اكتشفت فى الرحلة دى ان التطبيق الحرفى ليها هو الصاحب فى السفر ... مش مهم تكونوا أصدقاء قريبين أو حتى تعرفوا بعض قبل كده ... المهم يكون عندكم توافق فى الآهواء والاهتمامات والأهداف اللى عايزينها من الرحلة ... والأهم من ده كله : المرووووونة ... أنا عانيت كتير فى أكثر من سفرية بسبب سوء الصحبة ... ساعات ناس كانت بتبقى صحابى القربيين جداً ... لكن فى السفر باكتشف ان احنا مستحييييل نركب مع بعض ... شخصيات مستحييييل تعيش مع بعض ...و السفر عشرة ... 24 ساعة كل يوم مع نفس الأشخاص ... تخيل كده حياتك هتبقى ازاى لو انت ال24 ساعة دول مقضيهم مناقشات وخلافات حول كل شىء ... من أول "هنروح فين النهاردة؟" لحد "هناكل ايه ع الغدا؟" مرورا ب "هنصحى الساعة كام؟" وحتى "خللى نور الأوضة مفتوح عشان مبعرفش أنام فى الضلمة!" ... أنا سافرت مع أكثر من نوعية من البشر مبتتفقش معايا اطلاقا فى ابسط الأشياء ... ناس مثلاً كان عندها المصيف "أنتخة" ونوم مش خروج وفسح ... أصحى أنا من الفجر هاموت وأخرج وفى النهاية يا إما أخرج لوحدى با إما أقعد أحرسهم لحد ما يصحوا ... طب ايه لزمتهم أصلاً؟ ... وناس جننتنى فى أسلوب معيشتها ... أنا منظمة جداً والناس دى ممكن تقلع الجزمة فى مدخل الأوضة والهدوم تترمى على الأرض والشنط مبعثرة فى كل مكان ... الخ ... وناس تانية شخصيتها قيادية متسلطة ... اللى تقول عليه لازم هيمشى ومتحاولش تناقشها لأن حتى لو ناقشت برضو كلامها اللى هيتنفز فى الآخر
أنا قابلت النوعيات دى كتير ... قلبت سفريات كتيرة لجحيم لا يطاق ... حتى فى السفرية دى نفسها ... من أول اللى عايزين يناموا للى عايزين شوبينج وبس ... لكن آخر 4 أيام كانوا بالتأكيد استثناء ... "منى" كانت زيى فى حاجات كتير ... عايزة تخرج وتلف باريس كلها من شرقها لغربها وتجرب كل حاجة ... بالرغم من انها مش أول زيارة ليها... وكانت من الناس اللى بتحط خطط لكل حاجة ... بعد خيبة أملى فى الخطط اللى رسمتها فى مصر وكل العلامات اللى حطيتها فى كتاب السيتى جايد اللى ما سابش شنطتى لحظة لكن فشلت فى زيارة معظمها فى الأسبوع الأول, لقيتها هى كل يوم قبل النوم تطلع دفتر صغير زى اللى كنت شايلاه برضو ... نقعد نقول بكرة هنروح هنا وهناك ... وتانى يوم نمشى على الخطة بالظبط وبالليل تفتح الدفتر تانى ... تشطب على ما تم زيارته وتحط خطة اليوم التالى ... يا سلاااااااااااااام ... أورجانيزر شخصى لرحلتى كما تمنيت ان أقضيها ... ده غير انها كانت – أعزها الله – على قدر عالى من المرونة ... لو ابديت عدم حماسة لشىء بتكون على استعداد لالغائه أو تبديله ... وبتعمل اللى هي عايزه من غير ما تخنقنى ... حتى اليوم اللى نزلت فيه شوبينج لوحدها لقيتلى هى من نفسها حاجة أعملها فى الوقت اللى هاكون فيه لوحدى ... حقيقى لما أفكر فى كل الرحلات اللى كنت ضاغطة فيها على أعصابى وبتنازل عن حاجات كتير كان نفسى أعملها بسبب عدم رغبة الناس اللى معايا أو رغبتهم فى عمل أشياء مختلفة لا تهمنى فى شىء بحس أنى كنت متدلعة أوى فى ال 4 أيام الأخرنيين دول

على النقيض من كده بقى ... فيه شىء استغربت له جداً ... من المفترض ان الشباب هم أكثر انطلاقاً من البنات ... أكثر رغبة فى الانطلاق والفسحة ... وأكيد أكثر مرونة لأنهم مش نمكيين – من نمكى- فى اختياراتهم وطلباتهم ... اللى شفته فى الرحلة دى بقى كان نماذج عجيبة من الشباب ... بداية بيوم وصولنا باريس نفسه ... أول ما وصلنا الأوتيل مكناش قادرين نستنى ننزل الشارع ونستكشف المدينة ... واحدة من البنتين اللى معايا فى الأوضة كلمت شباب معانا من الدفعة قالولها انزلوا انتوا واحنا هنستريح شوية ونبقى نحصلكوا ... فيييييييييييين على 11 بالليل لما كلموها وقالولها انهم ناموا وصحيوا أكلوا وقاعدين فى اللوبى وهى دى الليلة بتاعتهم ... فى الوقت ده كله بقى كنا احنا رحنا برج ايفيل وركبنا الباتوبوس ورحنا النوتردام ورجعنا اتمشينا فى الشانزيليزيه ... كل ده وهما مش عايزين غير انهم يناموا ... مجموعة تانية من الشباب قابلناهم فى الطريق وسألونا رايحين فين فقالوا هييجوا معانا ... طول الطريق من أول الشارع لمحطة المترو واحد يفتكر انه جعان فنقف ربع ساعة على ما يشترى ساندوتش ... بعدها بشوية التانى يفتكر انه عطشان فنقف ربع ساعة كمان على ما يشترى مية... رحلة مدرسية! ... ده غير بقى الحوارات الكتير على "هنروح فين؟" ... "طب انتوا عارفين الطريق؟" ... "طب ما نروح هنا أحسن" ... وكل واحد منهم برأى ... لدرجة ان احنا زغنا منهم فى المترو – كانت غلطة غير مقصودة لكن الصراحة ما صدقنا ... ايه الناس دى؟؟؟ بجد مكنتش مصدقة! ازاى احنا كده وهما بالشلل ده؟

نرجع لخطة اليوم ... افترقنا مع قطان فى المترو ... نزلنا فى محطة سان ميشيل واخدنا أوتوبيس 21 الى محطة "لوكسمبور" حيث الحديقة التى تحمل نفس الاسم – جاردان دى لوكسمبور-... كنا شفناها من شباك حجرة السيناتور اياه يوم زيارة مجلس الشيوخ لكن ماكنش فيه وقت ندخلها ... من المفارقات العجيبة اللى اكتشفتها وانا أكتب هذه السطور انى فاكرة كويس اننا واحنا معديين جنب سور الجنينة يوم مجلس الشيوخ ده كانت "منى" معدية من جنبى وبتكلم حد بحماسة وبتقول له أن نفسها تدخل الجنينة دى ... مكنتش أعرفها من أساسه فى اليوم ده خالص ... ازاى أصلاً فاكرة الموقف ده؟ مش عارفة .. عجيبة ... ده غير فيه صورة اكتشفناها بعد ما رجعنا مصر كنا احنا التلاتة ... هى وقطان وأنا متصورين قدام الأكاديمية كأننا واقفين جنب بعض لكن كل واحد كان باصص فى اتجاه كاميرا مختلفة يعنى الصورة دى كل واحد عنده منها نسخة... وفى اليوم ده محدش فينا احنا التلاتة كان يعرف التانى خالص برضو ... سبحان الله

الجنينة حقيقى تحفة من جوة ... الرقع الخضراء من الأرض مع الأزهار الملونة المزروعة على طول محيطها تبدو كسجاجيد متقنة التصميم ... كان منها ثلاثة قطع فى منصف الحديقة تماما ... وحولها على مستوى أعلى مناطق أخرى كثيفة الشجر ... جلسنا قليلاً عند بحيرة دائرية فى منتصف المكان أمام المدخل ... كان هناك مراكب خشبية صغيرة بيلعب بيها الأطفال ... بتتأجر ب 6 يورو فى الساعة ... بينزلوها البحيرة ويزقوها بعيداً عن السور عن طريق عصا خشبية طويلة ويراقبوا حركتها مع تيارات المياه


الناس بقى فى الجنينة آآآآآخر روقان ... شعب حقيقى عايش حياته ... تلاقي كل واحد واخد كرسى معدنى من الكراسى المتناثرة فى كل حتة وقاعد ممد رجليه على كرسى تانى ولابس نضارة الشمس ونايم بيتشمس ... أو بيقرا فى كتاب .. أو حاطط سماعات فى ودانه وبيستمتع بالجو ... أو تلاقى مجموعة من الستات عاملين دائرة نقاش ... بيدردشو يعنى ... مش جايبين حلل المحشى أو الفسيخ وقاعدين ياكلوا ويبهدلوا الزريبة اللى الدولة عملاها لهم

قمنا نتجول شوية ... عدينا على منطقة فيها ملعبين تنس وملعب كرة سلة ومنطقة ألعاب أطفال ... ثم اخترنا الجلوس فى منطقة وسط الأشجار ... كل واحدة قاعدة على كرسى وفاردة رجلها على التانى ... هدوووووووء ... مبنتكلمش ... بنسمع بس صوت الهدووووووووووووووء ... وصوت العصافير وورق الشجر ... يا سلام لو عندنا فى مصر مكان زى ده ... ونبقى زى الشعب الرايق ده ... آخر الأسبوع الواحد ياخد بعضه من الصبح ومعاه كتاب وحاجة يسمعها ... يريح أعصابه يوم بعيد عن الدوشة والشغل والسواقة وووووو ... يا سلاااااااااااااام ... بس تفتكروا فيه مكان فى مصر ينفع يكون فيه جنينة متسمعش منها أصوات العربيات؟ ... أنا بيتهيألى مفيش عصافير فى سماء القاهرة ... مقدرتش تستحمل الدوشة وطفشت ... ده غير انه حتى لو فيه مكان زى ده ... الناس اللى فيه هيكونوا ايه؟ شعب مصرى ... يعنى لااااا ممكن أبداً واحد مصرى بيعتز بمصريته والنيل رواه والخير جواه يسمح ان مصرى زيه وابن بلده يستمتع بالهدوء ده من غير ما يفتح كاسيت جنبيه أو ينادى على صحابه من على بعد 10 أمتار وصوته يخرم ودنك أو يبعت ابنه الصغير يخبطك بالكورة فى دماغك ويبصلك ببراءة ... يعنى ... حاجات كتير من دى ... المهم انك لا مممكن ابداً تستمع بلحظة هدوء وسط الشعب المصرى العظيم

قمنا ورجعنا تانى لمنتصف الجنينة ... حيث السجاجيد اللى تفرح اياها ... فيه سجادة منهم مفروشة بدل الورد بنى آدمين ... لأنها المنطقة الوحيدة المسموح فيها بالمشى فوق الحشيش ... الناس كلها تقريبا نايمة بتاخد حمام شمس على الأرض ... طبعاً لأننا مش م البلد دى ... ونفسنا نبقى زى البلد دى ... عملنا زيهم ... شىء عمرنا ما هنعملوا ابداً فى مصر ... مش عشان عيب ولا غلط ... عشان احنا شعب تندب فى عينه 100 رصاصة ... مبيسبش حد فى حاله ... الناس كلها بتبص على بعض فى الشارع ... والله بتكسف أمشى فى الشارع فى مصر أصلاً من كتر ما الناس تبص وتركز قوى وتتفحصك من أعلى رأسك حتى أخمص قدميك ... ليه؟ مش لأنك نايم على الأرض فى جنينة ولا حتى عشان ماشى على ايديك ورجليك فوق ... لأ ... لمجرد انك بنى آدم وبتتنفس أوكسجين زيهم ... شوف يا أخى قلة أدبك

النومة على الحشيش وأنت مش شايف فوقك غير سماء زرقاء والسحاب بيعدى فيخفى الشمس شوية ثم يتحرك فيظهرها مرة أخرى ... لأول مرة بحس بالمظاهر الطبيعية دى ... تحس انك واحد بس فى الكون ... جسمك لامس الأرض والسماء فى وقت واحد ... شعور جمييييييييييييل ... للأسف انتهى سريعاً عشان وقتنا محدود ... دى مشكلة الرحلات القصيرة ... عندك مليون حاجة تعملها فى بضعة أيام ... لولا كده كنا قضينا بقية اليوم فى المكان ده

مشينا للجزء الشمالى الشرقى من الجنينة حيث النافورة الكبيرة بتمثالها المستوحى من الأساطير الرومانية والمنطقة الجميلة الغنيه بالأشجار الكثيفة والورود الملونة والنباتات المختلفة المحيطة بحوض النافورة الطويل على الجانبين ... النافورة اسمها "فونتين دى ميدسى" على اسم مارى دى ميدسى المالكة الأصلية للقصر حيث مجلس الشيوخ الآن والجنينة الكبيرة دى الملحقة بيه ... والنافورة دى هى القطعة الوحيدة المتبقية من ديكورات القصر الأصلية منذ تم بنائه سنة 1630
كانت دى آخر محطة لينا داخل حديقة لوكسمبور ... خرجنا عشان ناخد الأتوبيس رجوعاً الى سان ميشيل ... كنت جعانة جداً و"منى" قالت ان فيه محلات شاورمة حلال هناك ... اكتشفنا ان المحطة اللى ممكن نركب منه الأوتوبيس فى اتجاه سان ميشيل بعيدة ... فى آخر الشارع المواجه لمدخل الحديقة حيث يقع مبنى ال"بانتيون" وهو مبنى كان يستخدم أصلا ككنيسة – بانتيون كلمة مشتقة من الأغريقية تعنى "بيت الآلهة" – ولكن تحول الى ضريح يضم أجساد العديد من المشاهير مثل "فولتير" و"جان جاك روسو" و"فيكتور هوجو" و"إميل زولا" وغيرهم
أذكر اننا دخلنا أجزخانة فى شارع البانتيون ده طلباً لقطرة للعين لأن عينى كانت ملتهبة جداً بقالى كام يوم ... أذكر هذا تمهيداً لموقف حصل معايا بعدها بكام يوم سيأتى وقت روايته لاحقاً

وصلنا سان ميشيل ودخلنا منطقة الحى اللاتينى ... بالتحديد الى الشارع الضيق الواقع بين كافيه "سان سيفيرين" اللى واخد ناصية كاملة على الشارع يمين نافورة سان ميشيل الشهيرة وبين محل كبير من محلات "جيبير جن" للكتب القديمة المنتشرة فى هذه المنطقة بالذات ... لم نبتعد كثيراً عن مدخل الشارع حتى وجدنا محل شاورمة لبنانى ... نفس الشاورمة زى اللى فى هولندا ... لحم الديك الرومى المجلد اياه ... لكن الفرق بقى فى طريقة عمل الساندوتش ... هنا بيحطوا الشاورمة مع البطاطس المحمرة كلها مع بعض ملفوفة فى رغيف من العيش الشامى كما تطوى الجريدة ... كانت أكلة تسد لغاية بالليل ... هوه ده المطلوب

واحنا خارجين اخدت قطعتين من العيش الباجيت الناشف اديت واحدة ل"منى" وخرجنا الى النافورة ... كان عندى هدف كان نفسى أعمله من وأنا فى هولندا – تحديدا فى الدام سكوير – وهو انى أاكل الحمام ... فعلا وقفنا شوية بنتصور واحنا بناكل الحمام المنتشر فى الساحة أمام النافورة ... آدى أول حاجة تمشى صح زى ما كنت عايزة من أول الرحلة العجيبة دى

خط المترو 1 فى اتجاه "شاتو دى فينسان" آخد مننا أيام وليالى فى الأسبوع الأول لأنه نفس الخط اللى فيه محطة الأوتيل فى الشانزيليزيه ... فكلما خرجنا لازم نبدأ بالتحرك على الخط ده وفى الاتجاه ده ... لذلك كان اسم "شاتو دى فينسان" يتكرر أمامى ومنى شبه يومياً لكن مكنتش أعرف ايه الشاتو ده ... "منى" بقى كانت عايزة تروحه ... قالت انه كان مقفول ولسه فاتحينه قريباً للجماهير ... ماشى ... أخدنا المترو ونزلنا آخر الخط ... كنا الوحيدين فى المحطة تقريباً ... طلعنا على بعد خطولت قليلة من الشاتو كما رأيت صوره فى بعض اعلانات المترو من قبل

شاتو دى فينسان هو قلعة صغيرة ... فارغة تماماُ مثل قلعة قايتباى فى الاسكندرية ... له بوابة خشبية كبيرة تصل اليها عبر جسر خشبى صغير مربوط بسلاسل الى جدران القلعة مما يوحى انه كان يرفع فى بعض الأحيان فيتعذر الدخول الى القلعة لان حولها – تحت الجسر – خندق عميق ربما كان مليئا بالمياه فى يوم من الأيام
بعد عبورك البوابة تمشى فى ساحة خالية فى آخرها على اليمين المبنى الداخلى للقلعة حيث كان مقر الجنود وعلى الشمال كنيسة صغيرة – يسمون الكنائس الصغيرة "شابيل" ... على غرار الفرق بين الجامع والزاوية كده – دخلنا القلعة برغم ان الساعة كانت قد بلغت الخامسة وهو ميعاد الإغلاق ... طلعنا السلم الحجرى على يسار البوابة الى المستوى الثانى من القلعة ... لاشىء سوى ممرات بفتحات كبيرة مثل النوافذ المقطوعة من الجدران الحجرية ... رجعنا الى السلم وأكملنا الصعود الى البرج اليسارى ... من فوق ترى المنطقة المحيطة بالقلعة كلها ... على مرمى البصر الى اليسار مساحة كبيرة من الأشجار ... باختصار ... الجو العام يوحى بأيام الفرسان والنبلاء ... فكرنى قوى بفيلم "الفارس الأول" – ذا فيرست نايت – بتاع ريتشارد جير لما راح ينقذ جوليا أورموند من قلعة ما فى وسط غابة

ما علينا ... خرجنا من القلعة الى الشارع ... نزلنا محطة المترو لكن لقينا الطريق مسدود ... مش فاكرة بالظبط ايه اللى خلانا نبتدى ندور على الجنينة التى تحمل نفس الاسم "فينسان" ... تقريباً قرأنا الاسم فى المترو "بوا دى فينسان" ... يعنى غابة مش جنينة ... المهم ... سؤال أو اتنين للمارة عن الاتجاه خلونا نمشى فى شارع طويل موازى للسور الجانبى للقلعة ... المنطقة هنا تعتبر من الضواحى المتطرفة لباريس ... فهى أكثر هدوءاً واتساعاً ... وصلنا الى الغابة بعد شقاء ... كنا فى حركة متواصلة من الساعة 9 الصبح والطاقة انخفضت ... قعدنا على الحشيش على بعد خطوات قليلة من يسار المدخل ... حوالى 10 دقائق راحة لا أكثر ... حتى اننا ظبطنا منبه الموبايل ونمنا الشوية دول

كان لسه قدمنا زيارة ال"جاردان دى توليرى" حسب جدول الزيارات اياه ... ركبنا المترو تانى ونزلنا فى محطة "باليه رويال – اللوفر" ... دخلنا من البوابة الجانبية المواجهة للواجهة الغربية للهرم الزجاجى ... كانت المنطقة مزدحمة بالناس حول الحوض المائى المحيط بالهرم والنافورة الواقعة خلفه ... كثير من الناس قد خلع حذائه و"دلدل" رجله فى المية سواء ناحية الهرم أو فى النافورة ... و... طبعاً لأننا مش م البلد دى ... ونفسنا نبقى زى البلد دى ... عملنا زيهم ... شىء عمرنا ما هنعملوا ابداً فى مصر ... مش عشان عيب ولا غلط ... عشان احنا شعب تندب فى عينه 100 رصاصة ... مبيسبش حد فى حاله ... الى آخر الحوار ده اللى قريتوه قبل كده ... تشششششش ... شعور رائع انك تحط رجليك فى مية ساقعة متلجة بعد عناء يوم طويل من المشى المرهق فى كوتشى ضيق وبرضو كان نفسى أقعد كده لحد بالليل ... لكن برضو اللحظات الجميلة وقتها محدود ولازم نتحرك


مشينا عكس اتجاه المتحف الى داخل حديقة التوليرى نفسها ... أمامنا على اليمين العجلة الدوارة الكبيييييييييرة – لا جراند رو - التى يكاد يصل ارتفعها الى 15 طابق ... كانت من ضمن الحاجات اللى راحت مع اللى راح من خططى ... وأخيراً زست ... ركبناها فعلاً ... اليوم ده ماشى زى ماحنا عايزين بطريقة تخوف! ما شاء الله

والعجلة الدوارة دى بطيئة جداً بعكس ما تصورتها تماماً ... لكن بطئها يسمح لك انك تشوف باريس كلها ببطء ... كعادة أى نقطة عالية ... فمبانى باريس كلها على مستوى ارتفاع واحد باستثناء عدد محدود جداً من المبانى ... لذلك تستطيع بسهولة تمييز هذه المبانى اذا صعدت لأى منطقة أعلى من مستوى المبانى العادية ... هذه الأماكن واللى شفناها كلها من فوق هى الساكر كور وبرج ايفيل ومبنى "مونبرناس" ومنطقة "لا ديفنس" والقبة الذهبية ل"ليز اينفاليد" ... ومع بعض التركيز ممكن تحدد مكان مسلة الكونكورد وقوس النصر والنوتردام

نزلنا من " الجراند رو" مع نهاية اليوم وبداية الغروب ... بضع محطات أخرى وكنا فى الأوتيل لتغيير ملابسنا والاستعداد للمساء ... لكن تأخرنا كثيرا فى النزول ... وصلنا الشانزيليزيه وكنا عايزين نتعشى فى مطعم سى فوود مشهور هناك اسمه "لبون دى بروكسل" ... لكن للأسف كما ان لا شىء كامل كان ده بداية تدهور الخطة التى لم يتبق منها الكثير ... وصلنا المطعم قرب الحادية عشر فرفض الجارسون دخولنا لأنهم هيقفلوا ... مش مهم ... بعض الاخفاق لا يضر خصوصاُ مع انجازات اليوم الرائعة ... مشينا حتى محل هاجن داز بتاع الآيس كريم اياه ... دخلنا لقينا زحمة فظيعة وطابور طويل ... اتخنقنا ولغينا الفكرة ... مش مهم برضو ... انتهى الأمر بآيس كريم من ماكدونالدز وخلاص ... كانت دى آخر حاجة نعملها ... اتمشينا لحد الأوتيل ... الساعة قربت من الواحدة ... وحصل اللى كنت خايفة منه ... اتنين عرب – مغاربة طبعاً - مشيوا ورانا من بداية الشارع عند قوس النصر ... فضلنا ماشيين بنمد لحد ما وصلنا قرب شارع الأوتيل وكانوا بطلوا يمشوا ورانا ... مش عارفة ليه - يمكن احنا اللى كان عندنا بارانويا وقتها - بس الحمد لله ... فينك يا قطان! ... بمجرد دخولى الأوتيل تقريباً كنت نسيت تماماً الموقف اللى حصل ده ... مكنتش عايزة حاجة تفسد اليوم ... نمت وأنا فى منتهى التعب والرضا التام عن انجازات اليوم ... أخيرا يوم مشى عدل من أوله لآخره فى الرحلة دى

Tuesday, August 28, 2007

يا سفرياتك يا هولندا - الجزء الثالث



:اليوم العاشر


قمة النشاط والحيوية ... مجرد فكرة إنى راجعة باريس شحنت البطارية ع الآخر ... لميت حاجتى وعلى المحطة من الساعة 9 ... قطعت تذكرة على أول قطار الى لاهاى ... كان على وشك المغادرة ولحقته على آخر لحظة

المسافة قصيرة جداً لا تتعدى نصف ساعة ... وصلت محطة " دى إتش هولند سبور" - دى إتش اختصار "دن هييج" ... يعنى لاهاى بالهولندية لكن فى الكتب العربية بيستخدموا الاسم الفرنسى لها : لاهاى - وكان لازم أبدل لقطار آخر عشان أنزل السنتراال ستاسيون– المحطة الرئيسية للاهاى

لاهاى هى واحدة من أشهر خمسة مدن فى هولندا ... هى "مقعد الحكومة" كما يسمنوها حيث انها مقر الحكومة وبها قصر الملكة ... تقع على الساحل فى الجنوب الغربى من هولندا وحولها عدة مدن مهمة ايضا مثل "روتردام" التى يطلق عليها "أكبر ميناء أوروبى" ... وبين روتردام ولاهاى تقع مدينة "دلفت" المشهورة بصناعة بالفخار الأزرق الذى اشتهرت به هولندا كلها كما انها بلدة الرسام الهولندى المشهور "فيرمير" – لو كنت شفت فيلم "الفتاة ذات القرط اللؤلؤى" هتعرفه ... وليس ببعيد عن لاهاى ايضا هناك مدينة "لايدن" بجامعتها التى هى أقدم جامعات هولندا ... وبالطبع لا أنسى "أوترخت" الى الشرق قليلاً من لاهاى وهى رابع مدينة رئيسية فى هولندا وبها أكبر جامعاتها


فى السنتراال ستاسيون توجهت مباشرة لمكتب "يورو ستار" علشان أقدم حجز التذكرة اللى كنت حاجزاها من ع النت ليوم 28 ... قبل ما خيالك يشطح لمكتب التذاكر فى محطة مصر حدانا بالرجل الكشرى اللى بيقطعلك التذاكر كأنه بيديلك حسنة – ومتستاهلهاش يا مصرى يا كلب أنت - لازم أغير إحداثياتكم لمكاتب مصر للطيران مثلاً ... حيث توجد ماشين تاخد منها رقمك وأنت داخل وتروح تقعد لحد ما تلاقى رقمك ظهر على إحدى الشاشات المعلقة فوق مكاتب الحجز ...و آآآآآآدى قعدة
مرت حوالى نصف ساعة أو أكثر قبل ان يظهر رقمى على الشاشة ... توجهت الى السيدة الموظفة اللى أفادتنى أفادها الله انها لا تستطيع تعديل حجز الانترنت ... الحل الوحيد انى أحجز تذكرة جديدة وأقوم بالغاء حجز النت بمعرفتى ... ماشى ... لكن مافيش تذاكر بتخفيض للشباب لقطارات اليوم ... طب بكام التذكرة؟ 91 يورو!!!! ... ده تقريباً ضعف ثمن تذكرة الانترنت ... وكمان درجة تانية! ... طبعاً مفيش قدامى حل تانى ... أمرى الى الله ... قطعت تذكرة فى قطار الخامسة والنصف مساءاً

كان فيه فى آخر مكتب الحجز ركن فيه 3 كمبيوترات للاستخدام العام ... كيبورد معدنى غريب الشكل أنيق المظهر والملمس بطرفه كرة معدنية دوارة تستخدم كبديل للماوس وهو – الكيبورد – مستقر بأكمله داخل الكاونتر كأنه جزء منه ... ايه التكنولوبيا ديه! ... الكمبيوتر عليه فقط موقع "يوروستار" حيث يمكنك قطع التذاكر أو تعديل حجزك بدون اللجوء لموظفى شباك التذاكر ... حلو قوى ... أدخل بالمرة ألغى حجز التذكرة بتاعة يوم 28 دى ... مش فاهمة ولا كلمة ... أنا أعرف بعض الكلمات الهولندية لكن مش قوى كده ... بعد محاولات عديدة فاشلة وطلب المساعدة من ناس معظمهم يا زيى مش فاهمين حاجة يا مستعجلين ومش فاضيينلى قررت أمشى وأبقى أتصرف فى باريس

خرجت من مكتب "يورو ستار" إلى شباك صغير فى المحطة حيث استفسرت عن وسيلة مواصلات الى ال"مادورو دام" وحجزت تذكرة ترام ذهاب واياب الى هناك ... خرجت من المحطة أحمل الحقيبة السوداء الكبيرة اياها – اللى خدتها من الشارع فى باريس - لأجد الترام أمامى مباشرة ... الحمد لله مش هامشى كتير

الترام يشبه تماما ترام أمستردام ... حتى ثمن التدكرة المعهود ... 1.60 يورو ... يبدو انه سعر موحد فى كل أوروبا ... هناك فارق صغير عن ترام أمستردام ... فيه شاشة كمبيوتر مربعة فى الركن العلوى للعربة توضح خط سير الترام كله أى أسامى كل المحطات التالية مع التنويه عن المحطة القادمة قبل الوصول اليها ببضع ثوانى ... وعلى عكس أمستردام كان فيه مفتشين فى بعض المحطات

لاهاى مختلفة كلية وجزئية عن أمستردام ... بشوارعها الواسعة جداً ومبانيها الحديثة العالية ومساكنها الشبيهة بمساكن الضواحى وازدحامها بالسيارات نسبياً ... حتى الناس فى الشارع شكلهم مختلف ... هولنديين أصليين مش سياح زى معظم أمستردام ... ده غير انهم على الأقل شكلهم طبيعيين مش انحراف زى أمستردام - انا لسه عندى صدمة "غير" حضارية من اليومين اللى فاتوا



بعد حوالى 6 أو 7 محطات من السنتراال ستاسيون نزلت قصاد المادورو دام مباشرة ... عند دخولى طلب منى رجل الأمن ان أترك الشنطة – الداهية – فى مكتب الاستقبال ... فعلتها عن طيييييب خاطر ... على الأقل أتجول براحتى دون العائق السخيف اللى محتاسة بيه من الصبح ده
مع دخولك من البوابة تجد نفسك فى طابق علوى مفتوح ... لا يفصله سوى سور مثل البلكونة يطل على المادورودام ... لكن قبل ما تدخل ما تنساش تتصور وأنت واقف جوة ال"كلومب" ... أو القبقاب الخشبى الكبير المحطوط فى مواجهة المدخل بحيث يكون المادورودام كله وراءك ... ال"كلومب" هو من أهم ما تشتهر به هولندا بجانب الطواحين وزهور التيولب... حيث كان الهولنديين الفلاحين الأوائل يلبسونه عند العمل فى المزارع ... تجده فى جميع محلات السوفينيرز ... بل ان الهولنديين نفسهم يطلق عليهم "كلوجيز" أى "الذين يرتدون القباقيب – كلوجز" ... هههه

المادورودام - يطلقون عليه ايضاً "هولندا المصغرة" - هو ما يشبه متحف مفتوح ... به ماكيتات مصغرة لأشهر المناطق فى هولندا ... المبانى والمتاحف ... الشوارع والطرقات ... مطار "سخيبول" كاملاً والمحطة الرئيسية لأمستردام بخطوط قطاراتها العديدة ... بل ويوجد نماذج للقطارات نفسها ... الطواحين التى تشتهر بها هولندا ... الطرق الحرة – هاى واى – وأنفاقها ... هناك نماذج مصغرة لسيارات من مختلف الأشكال والأحجام وهى تسير على هذه الطرق حقيقة ... والقنوات المائية وفوقها الجسور التى يستطيع الزائر ان يقف فوقها ويراقب حركة السفن والعبارات المصغرة التى تجرى فيها

الواقف فى المادورودام يشعر باحساس "جاليفر" فى بلاد الأقزام من فرط دقة النماذج ... بل ان الصور الفوتوغرافية تعطيك نفس انطباع الفيلم ... بنى آدم بطول عمارة ... وقد اعتنوا بأدق أدق التفاصيل ... شوارع كاملة بمبانيها وكامل تفاصيلها ... من السيارات المركونة بجوار الأرصفة إلى إشارات المرور والناس التى تعبر الطريق إلى أعمدة الإنارة والأشجار

كانت الدنيا حر وشعرت بالتعب ... طلعت الى الطابق العلوى مرة آخرى المطل على المدينة المصغرة ... كان هناك مقاعد مواجهة للمدينة كأنك قاعد على الكورنيش ... جلست لفترة ثم قررت أن اتوجه الى منطقة آخرى كان علىّ زيارتها ... الشاطىء

قبل ما أخرج من المادورودام عرفت انى ممكن اترك الشنطة عندهم وأرجع آخدها تانى ... الحمد لله! ... بينا على البلاج

ركبت نفس خط الترام حتى آخر محطة وهى محطة الشاطىء ... منطقة تدعى "سخيفينيجن" ... معلش الاسم صعب كعادة كل الاسامى الهولندية الملعبكة ... أنا درست بعض مبادىء الهولندية يوما ما ... هى لغة سهلة بغض النظر عما تبدو عليه الكلمات من تعقيد ... فهى تعتبر خليط من الانجليزية والألمانية ... لو سمعتها تحس ان واحد أهتم بيتكلم انجليزى ... مع الكثير والكثير من حرف ال"خاء" المحشور فى كل كلمة تقريباً ... بص الجملة دى
Deze week is mijn vader op de werf met mijn broer en zijn dochter.
وهى تعنى ببساطة
This week, my father is on the wharf with my brother and his daughter
وهى تشبه الألمانية فى كلمات كثيرة مثل كلمة صباح الخير التى هى "جوتن مورجن" بالألمانية و"خودن مورخن" بالهولندية مع فارق نطق الجيم خاء فقط تقريباً ... لكن عموماً الهولندية لغة "فولجير" زى الإخوة الفرنسيين ما بيقولوا ... لغة غليظة صعب قوى يتقال بيها شعر أو أغانى مثلاً ... استغرب ان فيه شاعر هولندى كبير زى "فوندل" بتاع الفوندل بارك فى أمسترادام ده مثلاً ... يكفى ان أقولك ان كلمة "جميل" لوحدها معناها "براختيخ"!!! حاول تنطقها كده وحس بالشاعرية؟ وللا كلمة زى "بحبك" معناها "إك هاوفن ياو" ... يا لاهوى! ده أنا اللى يقوللى كده أمسح بيه الأرض! ... عموماً مفيش أى مشكلة فى التعامل باللغة الانجليزية فى شوارع هولندا بجميع مدنها لأن معظم أهلها يتحدثون الانجليزية بطلاقة خصوصاً الشباب والأجيال الحديثة

سخافينيجن هى منتجع ساحلى فى لاهاى على الساحل الغربى لهولندا المطل على بحر الشمال ... الوصف الأقرب ليه فى بلدنا هو المعمورة لكن على مساحة أكبر بكتير لكن نفس النظام ... شاطىء عريض يفصله عن صف من المحلات والمطاعم – بدل الشاليهات فى المعمورة – ممشى ممهد بالأسفلت بطول الشاطىء كله يعرف لغوياً باسم "اسبلاناد" ... والمحلات والمطاعم تقع فى دورين ... واحد موازى للممشى وآخر فوقه بسور مثل البلكون ... وهناك جسر خشبى يخترق البحرعلى الطرف الأيمن للشاطىء وفى نهايته منارة سخيفنيجن ... وخارج الشاطىء نفسه المنطقة مليئة بالأوتيلات والمحلات ... منطقة سياحية بالدرجة الأولى هى

فى الدور العلوى للمشى هناك متحف بحرى وأوتيل ومطعم مشهور اسمه "كوور هاوس" يتميز ببناءه العتيق ذو القبة الشبيهة بقبة البرلمان ... وفى أقصى يمين الشاطىء هناك مول تجارى كبير من عدة طوابق آخدت جولة على الممشى – الاسبلاناد – وتوقفت عند "كشك" للمأكولات الخفيفة ... تذكرت أنى لم آكل البطاطس المحمرة المشهورة بها هولندا ... يسمونها "فريتيس مايوناز" ... قلت ألحق نفسى بقى فى آخر كام ساعة ... وقد كان
... آخدتها – أى البطاطس – ونزلت إلى رمال الشاطىء ... جلست على الرمال الناعمة – مفيهاش الكنوز المدفونة اياها من الزبالة طبعا - ً... طبعاً الجو بارد وقد تمطر فى أى وقت فالناس قليلة ولا يوجد شماسى أو كراسى بحر ... بمعنى آخر ... تخيل برضو المعمورة فى الشتاء

لم أتحمل الرياح الباردة طويلاً ... طلعت مرة أخرى فاستكملت الجولة على الممشى بالاتجاه العكسى حتى وصلت إلى المول ... نظرت فى الساعة كانت حوالى الثانية ... مازال أمامى أكثر من ثلاث ساعات كاملة على موعد القطار ... تجولت سريعاً فى المول ... فرق شااااااااسع بين الأذواق فى باريس والأذواق فى هولندا ... تلاحظها فوراً حتى فى طريقة لبس الناس العادية فى الشارع ... فالهولنديين يلبسون كيفما اتفق وليس ايما أتسق كالباريسيين ... كما ان الجودة لا تعنى الكثير لهم بالرغم من وجود توافق فى الأسعار مع منتجات باريس

خرجت من المول بعد نصف ساعة أو أقل لأجدها تمطر بشدة ... فتحت الشمسية وهرولت لأحتمى بتندة محطة الترام المقابلة ... مضت 10 دقائق كاملة قبل ان يأتى الترام ... لا أعرف لم افترضت بغبائى انه يوجد خط ترام واحد فركبت أول ترام وصل ... فقط لأكتشف بعد محطتين أو أكثر انه يسير باتجاه غير الذى اتيت منه ... نزلت وركبت الترام الراجع الى سخيفنيجن مرة آخرى ثم انتظرت لآخذ الترام الصحيح الذى عرفت انه رقم 9

نزلت فى محطة المادورودام عشان آخذ الشنطة – الداهية – اياها ... آخذتها وأكملت مع الترام التالى الى السنتراال ستاسيون ... فى الطريق خطر لى اننى يجب ان ألغى حجز الأوتيل ... أخرجت أوراق الحجز وبالفعل وجدت انه اذا لم أقم بالغاء الحجز قبل 24 ساعة كاملة من ميعاد الوصول – الذى هو فى حالتى يوافق يوم الغد – سيتم خصم قيمة الليلة الأولى من حساب الفيزا التى استخدمتها لتأكيد الحجز ... كده أنا عديت ال24 ساعة أصلاً ... يستحسن أروح أتفاهم معاهم فى الموضوع ده بدل ما يخصموا منى 60 يورو ... هى مش ناقصة بعد تذكرة القطار

بالفعل سألت عن رقم الترام اللى ممكن ينزلنى فى شارع الأوتيل وركبته من أمام المحطة ... آخذنى فى جولة طويلة عبر حوالى 10 محطات كاملة اخترق فيها شوارع وسط المدينة حيث وجدتها أكثر ازدحاماً وحيوية من المناطق الأخرى التى ممرت بها ... نزلت فى ميدان اسمه "برينس هيندريك بلاين" - فى الصورة - ... المنطقة كلها هادئة جداً ... عدد السائرين فى الشارع لا يتعدى أصابع اليد الواحدة ... وصلت الأوتيل الذى يأخذ موقع رائع يطل على الميدان مباشرة ... وددت لو قضيت ليلة أو ليلتين هنا لكن للأسف لن أتمكن من تغيير حجز القطار مرة آخرى ... شرحت لصاحبة الأوتيل موقفى وكانت فى منتهى الذوق وقدرت انى جئت كل المسافة دى علشان ألغى الحجز فقامت بألغائه بدون خصم عقوبة التأخير

ركبت الترام مرة آخرى ولكن هذه المرة أستكملت الرحلة مرورا بالسنتراال ستاسيون إلى محطة "دى إتش هولند سبور" حيث تصل القطارات الدولية الخارجة من نطاق هولندا ... الساعة حوالى الرابعة وباقى ساعة ونصف أو أكثرعلى ميعاد القطار
جلست على أحد المقاعد وكان بجوارى سيدة هولندية ... سألتها وأنا أتضور جوعاً اذا كان هناك سوبرماركت قريب فنفت ... ثم اقترحت بعض محلات الساندوتشات السريعة فى المحطة فأخبرتها انى لا آكل سوى آكل حلال ... كلمة "هلال فوود" مألوفة بالنسبة لمعظم الأوروبيين ... فهمتنى على طول لكن قالت لى أنه صعب ألاقى أكل كده هنا ... إلا فى سوبر ماركت "ألبرت هاين" حيث يوجد جزء كامل مخصص للحوم الحلال ... لكن السوبر ماركت بعيد عن المحطة ... كان الموضوع ده "آيس بريكر" جيد كما يقولون لفتح حديث طويل ... كانت سيدة لطيفة فى العقد الخامس ... أخبرتها عن كرهى لأمستردام ووافقتنى فى الرأى ... الغريب ان معظم من قابلتهم من الهولنديين يكرهون أمستردام ...يمكن بنفس منطق كرهنا للقاهرة باعتبارها العاصمة المزدحمة المختنقة بجحافل البشر الساكنين فيها والقادمين اليها على حد سواء؟ ... عرفت منها انها تسكن فى مدينة صغيرة على بعد ساعة ونصف من لاهاى حيث تعمل ... كل يوم تقوم بهذه الرحلة من والى لاهاى لكنها تحبها ولا ترغب فى تغيير عملها ... ومتحبهاش ليه؟ قطار مريح 24 قيراط ... تمر بيه عبر المزارع والمناظر الطبيعية الجميلة ... لتصل الى مدينة نظيفة راقية ... تعمل بها نصف النهار ثم تاخذ نفس الطريق عائدة الى بلدتها التى لا أعتقد انها أقل جمالاً ... اللهم لا حسد ... هههه

قضينا نصف ساعة فى حوار خفيف ثم جاء قطارها فودعتنى بلطف وانتطلقت ... الشعب الهولندى عموماً بسيط ... مفيهوش الأنزحة الألمانى ولا العدوانية الفرنساوى ولا البرودة السويدية ... هم فى نظرى أقرب الى الأمريكان فى سهولة التعامل معهم ... الأمريكى شديد البساطة ... لا يحمل أى نوع من العقد الاجتماعية ... بغض النظر عن اختلافنا معهم ككتلة أو كحكومة هم من أكثر الثقافات التى استطعت التواصل معها بدون تحفظات ... ربما لأن أمريكا نفسها هى بوتقة انصهرت واختلطت فيها العديد من الثقافات

دا كان فاصل ونعود ... عدنا بقى إلى كرسى المحطة ... احتلت المكان الشاغر بجانبى الآن فتاة مغربية ... ولأنها محجبة فقد كان المتوقع ان نحيى بعضنا بابتسامة ... بادرتنى هى بالسؤال عن جنسيتى ... تكلمنا كثيراً عن رحلتى الى باريس ثم هولندا ... ما أعجبنى ومالم يعجبنى ... كانت تسكن فى بروكسل – بلجيكا – وكانت فى زيارة لأختها التى تعيش فى لاهاى ... كانت تتحدث العربية "شبه" الفصحى بطلاقة أدهشتنى ... عمرى ما فهمت مغربى ... سألتها فأخبرتنى انها من البربر ... وهم يتحدثون العربية الفصحى بطلاقة ... أخبرتنى عن مدن المغرب ... مراكش وطنجر وأغادير وكازابلانكا وغيرها ... وعن المسلمين فى بروكسل ... كتير هم ... معظمهم من أصول مغربية طبعاً ... تحب هى بروكسل كثيراً ... تقول انها أكثر هدوءا ورقياً من هولندا ... صحيح الناس أهواء ... فكل من روى لى عنها رأها مدينة مملة ... سبحان الله ... وسألتنى كثيراً عن مصر والقاهرة ... أحببت الحديث مع "أسما" كما كان اسمها ... لكن للأسف قطارها وصل ايضاً وتركتنى مع كثير من الدعوات و "سلامت الله خيتى" ... لسه فيه كام كلمة مغربى لازم تطلع

نصف ساعة آخرى وجاء قطارى أخيراً ... الفرق بين الدرجة الأولى والدرجة الاقتصادية ليس كبير لكن واضح فى المساحات وطبعاً ان مفيش وجبة مكرونة مجمدة مع أعشاب البحر – وما خفى كان أعظم - من اللى قدموهالنا فى القطار الآخر ... الحمد الله ... وفروا

استغرقت فى نوم عميق معظم الرحلة ... وصلت محطة "جار دو نور" فى حوالى التاسعة والنصف ... ازاى أوصف شعورى لحظة ان وضعت رجلى فى باريس للمرة التانية؟ ... هوم سوييت هوم ... شعور رائع بالانتماء للمكان ده ... انى حافظة شوارعها ومحطاتها ومحلاتها ... انى رجعت حضن مألوف بعد أيام العذاب فى هولندا ... كنت سعيييييييييييييييدة

آخدت المترو الحبيب حتى محطة "تيرن" حيث الأوتيل العتيد اياه فى شارع "بونسيليه" ... وصلت هناك مع الغروب... فى الطريق ألقيت نظرة على سوبر ماركت "مونوبرى" المواجه للشارع ومنيت نفسى بالأكل أخيراً بمجرد ان اترك الشنطة فى الأوتيل
استقبلنى رجل لم أره من قبل شكله هندى ... عرفت بعدها أنه من "بنجلاديش" ... سألت عن الحجز باسم "منى" ... فعلى طريقة الهنود كان يهز رأسه موافقاً ويقول "يس يس مادام" ... ثم يسألنى "يعنى عايزة تحجزى أوضة؟" ... لأ ... نركز بقى ... أنا تبع الأوضة الدبل ... "فيه واحد كمان حاجز أوضة ... اسمممممه – بيدور فى الكمبيوتر – كتتان" ... ايوووه ... مظبوط ... قطان ... نرجع بقى لموضوعنا ... الأوضة الدبل يا عم ... "سووو ... يو وانت سينجل رووم أور دبل رووم؟ " ... يادى الليلة! ... بص يا سيدى ... مش فيه أوضة دبل باسم "منى"؟ أنا بقى هنزل فى نفس الأوضة دى معاها ... فين المفتااااااااااح ... بابتسامة عريضة "أوو ... يس يس ... ناو آى سى" ... ايه الشطارة دى؟ ايه النباهة دى؟
طلعت بقى أنا اللى ظلمت الراجل تقريباً .. لأن اللى مكنتش أعرفه ساعتها ان "قطان" و"منى" لعبوا معاهم كراسى موسيقية ... كان لازم يتلخبط ... بعد ما سابونى فى هولندا وصلوا باريس ع الفجر ... ف"قطان" استحرم يدفع ايجار ليلة كاملة عشان كام ساعة بس ... راح عمل اييييه؟ حجز أوضة سينجل باسمه وقال ل"منى" تاخدها ... لف هوه فى الشوارع لحد الصبح ... الصبح "منى" حجزت أوضة دبل ونقلت فيها وأخد "قطان" أوضته تانى ... أنا بقى لما آجى أكلم الراجل عن الناس دول يبقى عنده حق ميفهمش مين مع مين وازاى! ناهيك عن عاملات النضافة اللى شافوا "منى" فى تلات أوض مختلفة فى غضون ثلاثة أيام ... مرة معايا من يومين قبل هولندا ... ثم فى أوضة "قطان" ثم فى أوضة تالتة خاااالص النهاردة ... الحمد لله ان الشعوب دى مبتركزش فى أحوال الناس التانية والا كانوا ظنوا بنا الظنون

سألت الأخ البنجلاديشى عنهم فقاللى انهم خرجوا ... آخدت المفتاح وطلعت الأوضة ... هى الأوضة الملاصقة للأوضة الأولى اللى كنا فيها من قبل ... لكن نفس المساحة والمحتويات تماماً ... سيميترية تامة ... للأسف ... لكن كان فيه فرق بسيط جداً اكتشفته ليلتها هو ان مرتبة السرير "مقعرة" ... يعنى زى الطبق ... يعنى تنام على الطرف تصحى تلاقى نفسك فى المنتصف ... كنت طوال الليل باتسلق – بالمعنى الحرفى للتسلق - الى طرف السرير كلما انتبهت الى انى تخطيط الحدود الجغرافية لمنطقتى

تركت الشنطة ونزلت من فورى طلباً للأكل ... كنت أتضور جوعاً ولم آكل شىء طوال النهار سوى البطاطس المحمرة على الشاطىء ... ما ان وصلت الى ناصية الشارع حتى وجدت "مونوبرى" مغلق ... بيقفلوا هنا الساعة 10... مفيش أى نوع من المحلات فى المنطقة سوى بارات وكافيهات ... قلت أمشى حتى "مونوبرى" الشانزيليزيه اللى على ناصية شارع الأوتيل القديم ... أعرف انه بيفتح حتى 12 ... فى الطريق جاتلى مكالمة من "قطان" ... سألنى أنا فين ولما لقى الوقت متأخر قاللى هاجيلك ... فعلا ما أن اشتريت شوية حاجات آكلها من السوبر ماركت حتى كان عندى ... قعدنا شوية على "بنش" قريب لغاية ما أكلت ... عرفت منه ان "منى" فى ديزنى مع "زهران" وان "زهران" و"هانى" غيروا الأوتيل لواحد تانى عند برج ايفل بعد ما احنا سافرنا هولندا ... كانوا كلهم مسافرين بكرة ومش هايفضل معايا غير "منى" ... قلت لقطان أنى عايزة أروح النوتردام وسان ميشيل أشوفهم بالليل وصعب أروح أنا و"منى" بعد كده لوحدنا ... كان تعبان لكن بما أنه كان متبنينا – أو لاقينا على باب جامع - فوافق ... نزلنا محطة "فرانكلين روزفلت" لقيناها زحمة جداً ... والمترو كمان اتأخر لحد ما بقى فيه حوالى 4 صفوف من البشر على رصيف المحطة ... لغينا الفكرة طبعاً ... طلعنا من المحطة قلنا ناكل "كريب" من "ديلى" ... كنا بنعدى عليه كل يوم فى الأسبوع الأول لكن عمرى ما أكلته ... كنت حتى زعلانة لما مشيت من باريس إنى جيت باريس ومشيت من غير ما آكل "كريب" ... حد بالذمة يعمل كده؟
سبحان الله كان ليا نصيب فيه ... هناك فيه ماكينة بيفردوا عليها المعجون السائل للكريب ويغطوها فتكون "كريب" - مش لاقية ترجمة للكلمة ... فى مصر بيسموها "كانيلونى" و أنابيل كانت بتقول عن الفطير "كريب أوريونتال" يعنى كريب شرقى - فى ظرف دقيقتان ... ثم يدهنوها بكمية فظيعة من النيوتللا ويقطعوا عليها شرائح الموز ويلفوها على شكل "كون" مبطط ... وبالهنا والشفا ... واحدة من ديه كفاية لحد عشاء بكرة

قعدنا شوية فى نفس المكان اياه ثم جت مكالمة لقطان من "منى" ... كانت راجعة من ديزنى وقلنا لها هنستناها عند محطة شارل ديجول ... واحنا فى طريقنا الى قوس النصر حيث المحطة كان فيه مجموعة من 3 شباب واقفين على طرف الرصيف ومعاهم كاسيت كبير وبدأت الناس تتجمع ... ثم بدأ كل واحد من الثلاثة شباب فى الرقص "بريك دانس" ... وسيلة أخرى من وسائل الشحاتة بأناقة وذوق ... ربما من غير المنصف ان نسميها "شحاتة" ... هى أقرب الوصف الى استعراض تطوعى غير محدد الأجر .. أرفع لهم القبعة

جلسنا على "بنش" أمام محطة المترو مباشرة على نهاية رصيف الشانزليزيه وأمام قوس النصر تماماً ... مرت حوالى 15 دقيقة وانضمت لنا "منى" ... جلسنا حوالى 10 دقائق آخرى فاصبحت الواحدة صباحا ... الشانزيليزيه لا ينام ... لا تشعر بالوقت فيه اطلاقا فالشارع كأنه فى العاشرة مساءاً وحركته لم تهدأ اطلاقاً
اخذنا طريق العودة الى الأوتيل ... اذكر هنا حادثة صغيرة ... الشارع الرئيسى خالى تماماً من السيارات والمارة على حد سواء ... ونحن نعبر شارع جانبى ضيق لا يتسع سوى لسيارة واحدة ...وبالفعل هناك سيارة صغيرة تقف خلف خطوط عبور المشاة بحيث سمحت لنا بالعبور أمامها ... والسيارة لم تتحرك حتى بعد عبورنا وحتى مع خلو الشارع من نملة ... تفتكروا ليييييييييييه؟ ... لأن الاشارة حمراء!!! ... الساعة وااااحدة بعد نص الليل والشارع فااااااضى ... وده واقف ملتزم بالاشارة ... لا تعليق ... لأنى لو علقت هاكمل عشر صفحات تانيين بقصائد مطولة فى حب مصر ومرور مصر وعساكر مرور مصر و___ مصر ... وحسبى الله ونعم الوكيل

Friday, August 24, 2007

يا سفرياتك يا هولندا - الجزء الثانى

:اليوم التاسع


أصحو من النوم بدون أى رغبة حقيقية فى عمل أى شىء ... أتصفح السيتى جايد ولا أجد أى رغبة فى رؤية أى شىء ... تعب شديد وشعور فظيع بالوحدة .... أنا اللى ممكن آخد بعضى فى مصر وأروح أى مكان بعيد بعيد بس عشان أكون لوحدى ... لكن دلوقتى مش قادرة ... مش عارفة الناس كلها كده وللا بعضهم بس – وأنا منهم – المرض بيخلي نفسيتهم رقيقة جداً وعرضة للاكتئاب والانهيار لأبسط الأسباب ... كل اللى أعرفه انى مكنتش قادرة استحمل الوحدة فى اللحظة دى ... أمستردام نفسها تكئب خلقة ... امبارح الجو كان معقول ... مش مشمس زى باريس لكن فى نفس مستوى الحرارة ... أما النهاردة ... سبحان الله! كأنى صحيت فى بلد تانية ... مفيش شمس خالص والغيوم تنذر بمطر أكيد ... جو كئييييب

نزلت من الأوتيل وعديت الشارع الى ال "رايكس ميوزيم" ... ثم فجأة .... فى الحديقة الصغيرة التى تمثل مدخل المتحف غيرت رأيى ومشيت ... حسيت بعدم الحماسة لمشاهدة أعمال فنية ... الانسان محتاج إما الى هوس بالفن أو مود رايق جداً عشان يقدر يستمتع بالأعمال الفنية خاصة اللوحات أو التماثيل ... أنا كنت أفتقر الى كلاهما فى هذه اللحظة .. لا مهووسة بالفن ولا رائقة المزاج

قررت ان انسب حاجة ممكن استمتع بيها الى حد ما هى متحف الشمع ... "مدام توسو" ... دايماً وأنا صغيرة كنت اسمع عنه – اللى فى لندن طبعاً ... هو أشهرهم بيتهيألى – فى القصص والمجلات وأشوف صوره اللى تحسسك ان دى ناس حقيقية ... ركبت الترام اياه ونزلت فى الدام سكواير ... الساعة تقترب من العاشرة ... وقفت على باب المتحف وجدته مقفول! ... قلت عادى ... يمكن بيفتح بعد 10 ... آخد أنا جولة شوية زى امبارح لحد ميفتح ... يا دوب مشيت شارع واحد وحسيت انى هتجمد! ... الدنيا بتمطر على خفيف قوى ... لكن الحرارة انخفضت جداً ... ابتدت جيوبى الأنفية تهيج من جديد وحسيت بالدوار ... طب أرجع الأوتيل؟ أنا أصلاً مش معايا ملابس شتوية! ... قلت أشترى سويتر مطر من أى محل ... دخلت منطقة المحلات فى الشوارع الواصلة ما بين الدام سكوير والسنتراال ستاسيون
:(((((((

الشوارع ولا يوم الجمعة قبل الصلاة ... المحلات كلها قافلة ... الله؟ النهاردة مش الأحد يعنى ... فى اللحظة دى وصلتنى رسالة من صديقتى الهولندية فى مصر ... رديت عليها بشرح الموقف ... انى لو ملقتش حاجة ألبسها حالاُ هتقرا الصبح فى الجرايد خبر العثور على مصرية متجمدة فى ميدان الدام ... ردت عليا بالخبر المفيد: يوم الاثنين باعتباره بداية الاسبوع والناس لسه عايشة فى موود الاجازة فبيكسلوا ينزلوا بدرى بقى وكده وبيفتحوا على 11 أو 12 .... يا حراااااام ... وجايين على نفسهم ليه؟ مايخدوه اجازة هوه كمان ... وأكيد الجمعة كمان بيقفلوا بدرى عشان يلحقوا الاجازة يوم السبت من بدرى ... حقيقى ناس بتتعب

قلت أتمشى شوية حول المنطقة لحد مالاقى محل فاتح ... ماقداميش حل تانى أصلاً ... فكرت أدخل أى كافيه أشرب حاجة سخنة تدفينى ... مشيت شوية فلقيت محل مخبوزات ... كنت أتعودت فى باريس على أكل العيش بالزبيب – بان أو ريزان – فاخدت واحدة أكلتها زى المفاجيع ... كانت أول حاجة آكلها من الغدا بتاع امبارح ... وأنا ماشية من المحل حسيت فيه حد متابعنى بنظره ... بصيت بطرف عينى لمحت راجل عجوز قوى وحشيت أنه فعلاً مركز معايا وماشى ورايا ... ركنت على جنب شوية ومسكت الموبايل أبعت رسالة ... كنت باحاول أتأكد اذا كان ماشى ورايا فعلاً ... لدهشتى الشديدة لقيته فجأة فى وشى ...رجل عجوز فعلاً ... أكيد فوق الستين ... أبيض الشعر والذقن والبشرة تماماً ... كنت حاسة بابا نويل قدامى ... سألنى "مغربية؟" ... بصوت ضعيف جداً ... قلت "مصرية" ... آخد يتمتم بكلمات من نوعية "مصرية .. أه .. همم " ... فيه شىء مكنش مريحنى خااااااالص ... خفت منه جداً لكن قلت لنفسى آخرته هيعمل ايه يعنى؟ ده نفخة منى تطيره ... عامل زى عم أيوب بتاع مسرحية الجوكر .... أنا جاى آهو ... بالراحة عليا ... كلامه كان كله مغربى ... مفهمتش أى حاجة ... سألنى ان كنت لوحدى قلته ان معايا صحابى ورايحة أقابلهم ... مشكلتى انى معرفش أقول "وأنت مالك" ... لسه قدامى مواقف كتير من دى على ماقدر أقولها وألطش بالقلم كمان ... لكن دلوقتى أنا هكتفى بالتملص منه بالذوق وخلاص ... فى نص كلامه كان مصر يعزمنى على قهوة ... وبيقول أن معاه فلوس ... وضغط قوى على كلمة فلوس ... فلوس كتير ... وغمز بعينيه اللى مش عارف يفتحهم أصلاً ... الله يكسفك ... يا عم روح شوف تربة تلمك دا أنت على بعد حجر

طبعا وصلت لمرحلة الرفض الصارم وسيبته ومشيت وأنا بضرب كف بكف ... على قد ما قرفت من النوعية دى من البشر على قد ما صعب عليا حال البنى آدم اللى زى ده ... أكيد عاش طول عمره بالطول والعرض وواخد من الدنيا كل حاجة لحد ما وصل لسنه ده ولقى نفسه لوحده من غير عيلة ولا أى حاجة وبقى ماشى فى الشوارع بيدور على أى متعة وقتية مع أى حد وخلاص لحد ما يموت

دخلت الى منطقة المحلات مرة آخرى ... الحمد لله لقيت محل "سى آند آيه" فاتح ... كنت عارفة المحل لأنى دخلته أكثر من مرة فى باريس ... عامل زى التوحيد والنور كده بس على نوعية أفضل من الملابس ... طلعت الدور الرابع حيث الملابس الشتوية ... لحسن الحظ كان فيه تخفيض كبير ... جاكتات ... سويترات ... أحمدك يااااااا ررررررب
أخترت سويتر مطر بكاب ... مش مهم الألوان والموديل ولا أى حاجة دلوقتى ... عايزة دفاااا ... لبسته من قبل ما لأخرج من المحل حتى ... رائع! كده ممكن أكمل اليوم على الأقل

خدتنى رجلى الى قرب السنترال ستاسيون ... عديت من قدام منطقة سمعت من شرح تور جايد كان واقف مع جروب سياحى ان ده مدخل منطقة ال"رد لايت ديستريكت" ... منطقة الضوء الأحمر! .... أهلاً ... طبعا محدش عرف أنى رايحة أمستردام الا أما وصانى وصيتين ... أسلمله على الرد لايت ديستريكت وأجيبله هاش كيك ... بالعربى "كيكة حشيش" ... لاهو انت مخبرش؟ لا هو أنت متعلمش؟ مش الحشيش والمخدرات قانونية تماماً فى أمستردام ... أدخل أى كافيه هتلاقيها نازلة على المنيو جنب الشاى والقهوة .... أما الرد لايت ديستريكت فطبعاً غنية عن التعريف ... انا كنت هناك الصبح فمش مشكلة ... ليا واحدة صاحبتى بقى تاهت لوحدها بالليل ودخلتها بالغلط ... دى واحدة ... بنت ... مش مشكلة قوى برضو رغم ان البنت عندها صدمة من اللى شافته لغاية دلوقتى ... واحد بقى تاه هناك ... راجل ... مكانوش هيسبوه يخرج طبعاً ... يخرج ازاى من وسط الأجساد المرمية هنا وهناك دول؟ ... ايه البلد الزباااااااااااالة دى؟ ... الناس هناك رايحة عشان الحاجتين دول بس ... حقيقى! الناس فى الشارع معظمهم شكلهم انحراف ... الحمد لله أنها جت معايا على قد عم أيوب

حالة كراهيتى للبلد زادت أضعاف مضاعفة بعد التجربة دى ... بينى وبين نفسى قررت أرجع باريس فى أقرب فرصة ... خصوصاً ان "منى" بلغتنى فى رسالة الصبح أنها مدت تذكرتها ل28 زيى فممكن أرجع وأقعد معاها ... المهم دلوقتى أتفرج على اللى فاضل فى البلد دى ... طالما كده كده قاعدة على الأقل النهاردة يبقى أحاول أستمتع بأى حاجة

رجعت تانى للدام سكوير عشان أدخل متحف مدام توسو .... وأنا بعدى فى الميدان أمام الرويال بالاس تفتكروا لقيت مييييييييييييييين؟ الراجل المغربى المريض اياه ... واقف برضو بيهزر مع بنتين أجانب ... ده مقضيها بقي!! بعدت عن مجال رؤيته خالص واختفيت داخل المتحف

مدخل المتحف مش مشجع اطلاقاً ... هو مدخل عمارة كئيب ... فيه تمثال كابتن جاك سبارو – جونى دب فى قراصنة الكاريبى – أول ما تدخل فيه مصور بيصورك جنبه ويقولك تستلم الصورة من فوق ... بكام؟ لأ دى على التيكت ... طبعاً تكتشف فوق انها ب 6 يورو ... ظراف قوى الهولنديين ... ميتخيروش عن المصريين كده تمام

المهم ... طلعنا فى أسانسير كبير الى المتحف نفسه ... فى البداية هناك تمثال كبير مش فاكرة بتاع مين ... حد من كبرات البلد القدام بتوع أمستردام كده ... ههههه ... قعد يحكى قصة بناء أمستردام مع وجود مؤثرات صوتية ... ثم انتقلنا الى منطقة قراصنة الكاريبى ... منطقة مصممة كأنك على سطح سفينة "بلاك بيرل" ... وفيه ممثلين لابسين مثل القراصنة وعملين يخضونا كل شوية ... يطلعولنا فجأة من فتحات فى الممرات وواحد محبوس فى قفص حديد يقعد يخبط عليه ويزعق فى وشنا ... ايه هزار البوابين ده؟ ... الأوروبيين دول بجد طلع معندهمش أى حس فكاهى

طلعنا من المنطقة المرعبة دى الى متحف الشمع نفسه بقى حيث تماثيل المشاهير ... أول جناح كان لمشاهير السياسة ... لينين وجورباتشوف وكينيدى وبوش وشيراك والليدى ديانا والدالاى لاما وغاندى ... والرسامين زى فان جوخ وبيكاسو وسلفادور دالى – ده كان مشمأنط كده وموقف ديك شبهه على كتفه .... ثم الجناح التالى لمشاهير الموسيقى ... ألفيس بريسلى وتشاك بيرى وجيمس براون وبوب مارلى – القبعة الملونة المشهورة بتاعته كانت معلقة من حبل فى السقف وتحتها جدائل من الشعر تشبه جدائل بوب مارلى عشان الناس تلبسها على رأسها وتتصور بجانبه – ومايكل جاكسون – شكله مقرف حتى لو تمثال شمع – وجورج مايكل وروبى وليامز وغيرهم

بعدها انتقلنا نزلنا الى قاعة مشاهير الممثلين ... اتصورت وأنا قاعدة على مائدة العشاء جنب جورج كلونى وأنا واقفة بين انجيلينا جولى وبراد بيت وجنب أوبرا وينفرى وهى بتتكلم مع ميل جيبسون ... واخدت نيكولاس كيج انجاجيه ووقفت فى حماية جيمس بوند – بيرس بروزنان – وشفت مارلين مونرو واليزابث تايلور
كان فيه كمان ركن كامل لفيلم دافينشى كود فيه تقليد للوحات ديفنشى وتمثال بالحجم الطبيعى للموناليزا وطبعا تمثال لتوم هانكس ... كان المتحف ممتع جداً لكن أكتر حاجة كانت مضيقانى انى كنت مضطرة أغلس علّى رايح واللى جاى عشان ياخدولى صور لأنى لوحدى



خرجت من المتحف وقصدت الأوتيل مرة تانية ... كنت تعبت بقى و قلت أروح ارتاح شوية وآكل على الشباب ما يوصلوا ... كانت "دريسيا" قالتلى ان فيه سوبر ماركت كبير قريب من الأوتيل اسمه "ألبرت هاين" ... سألت عليه وكان على بعد حوالى شارعين من الأوتيل ... فى الطريق وجدت تجمهر من الناس غير مألوف فى المنطقة الهادئة دى ... اكتشفت انه متحف "فان جوخ" ... جميل جداً! فين الأكل؟ - فنانة أنا وحسى راقى مش كده؟



وصلت ألبرت هاين ... سوبر ماركت كبييييييير ... مبنى أرضى مستقل بذاته وتحته جراج مخصوص ... عرفت بعدها أنه أكبر وأغلى السوبر ماركت فى هولندا وليه فروع فى كل مكان ... اشتريت عيش وجبنة وبيبسى – الوجبة المعتادة للأسف – وتوجهت الى ركن الشيكولاتة ... أسبكم هنا بقى وأشوفكم كمان ساعة
فيه موقف بسيط بس لازم أحكيه ... لما رحت أحاسب على الحاجات اللى أشتريتها – وكانت كمية كبيرة من الشيكولاتة من جميع الأنواع والأحجام – ملقيتش كيس أحط فيه الحاجة ... سألت الكاشيرة شاورتلى بقرف على أكياس بلاستيك من اللى بيحطوا فيها سندوتش الفول فى الشبراوى كده ... عارفين الكيس الخفيف أوى الشفاف ده؟ قلتلها لأ حضرتك مش فاهمة .. أنا عايزة شنطة – كلك نظر كده – تشيل كل الحاجات دى ... شاورتلى على شنط كبيرة عليها اسم المحل ... ايوه ... كده فهمتينى ... لأ ... استنى يا حلوة ... دى ب 30 سنت! دلوقتى بس فهمت ليه بيقولوا على الهولنديين جلدة ... كان زمايلى فى الشغل الهولنديين نفسهم دايماً يتريقوا على نفسهم ... يقولك الهولندى لما تديله أى حاجة يقولك "خراتس؟" ... يعنى "ببلاش؟" ... وفى المناطق السياحية بيقولوا على الهولنديين "كايكى كايك نيت كوبن" ... يعنى "يبص يبص وميشتريش" ... وآل بيقولوا علينا منايفة

رجعت الأوتيل اتغديت ونزلت ... مطيقتش أقعد فى جحر الفئران اللى اسمه أوضة ده ... قلت استكشف المنطقة حول الأوتيل ... خدتنى رجلى ناحية بارك كبيرة أكتشفت انها "فوندل بارك" – فوندل ده شاعر هولندى مشهور ليه تمثال كبير فى وسط الحديقة - اللى واخدة مساحة كبيرة من الخريطة على بعد شارع تقريباً من الأوتيل ... كان المطر وقتها اشتد ... لابسة جاكت المطر اياه والكاب على رأسى وشمسية كمان مستخبية تحتها ... الناس كلها عايشة حياتها طبيعى جدا ... لابسين يالطو مطر وراكبين الدراجات وبيتفسحوا فى الجونينة ... عادى جداً ... احنا ياللى الحياة عندنا كلها بتقف تماماً لو بس جالنا "انذار" انها "ممكن" تمطر فى مصر ... لكن الهولنديين بيعيشوا تلاتة أرباع العام فى الجو السىء ده فطبيعى تكون حياتهم الطبيعية متكيفة مع الأحوال الجوية

الحديقة تجننن ... حديقة الطفل والحديقة الدولية عندنا عبارة عن زرع دبلان وميت من زمان جنبها ... خضرة خضرة خضرة ... وبحيرات كبيرة فيها أسراب البط ... وجسور خشبية تربط بين الأنحاء المتفرقة للحديقة ... كانت التمشية هناك ممتعة الى أقصى درجة ... كنت أتمنى أقضى بقية اليوم هناك لكن وصلتنى مكالمة من "قطان" أنهم وصلوا هولندا ...قلت له يركنوا العربية ويقابلونى عند السنترال ستاسيون

ركبت المترو اياه وقابلتهم أمام المحطة ... فى حياتى عمرى ماتبسطت انى شفت حد قد ما اتبسط انى شفتهم لحظتها ... بجد معنوياتى أرتفعت 100 درجة بعدها ... ابتديت أصدق المقولة دى "بلد من غير ناس ما تنداس" ... عرفت أنهم قضوا بضع ساعات فى بروكسل فقط وماكانش فيها حاجة فكملوا على لاهاى ... قالوا انها جميلة جداً ... المفروض حسب خطتى أنى رايحاها كمان يومين ... لكن مع حالة القرف اللى أنا فيها دى شكلى هلغى كل الخطط

اتجهنا للدام سكوير ... مش فاكرة أى حاجة غير ان "منى" كانت عايزة تدخل متحف مدام توسو و "قطان" مرضيش وقال هياخد وقت كتير وهم لازم يمشوا بالليل ... كانت الساعة يمكن 5 .... آخدنا جولة كده فى الشوارع والمحلات ... وقعدنا حوالى ساعة كاملة فى محل عجيب فيه سوفينيرز عجيبة منها سيف ساموراى "قطان" أول ما شافه لاقيناه سبنا وطلع الدور التانى وفضلنا مستينه تحت لمدة ساعة ... المحل ده بقى كان فيه ايييييييييييه؟ ... جزء كامل مخصص لأدوات التدخين ... تدخين ايه؟ مش سجاير طبعاً ... أنابيب زجاجية بمختلف الألوان والأحجام ومباسم زى بتاعة الشيشة وحاجات تانية كتير الله أعلم بتستخدم فى ايه ... لكن أجمد حاجة بقى كانت ايه؟ مانيكان يمثل نصف رجل وعلى ضهره جهاز يشبه أنبوبة الأوكسجين لكن على حجم صغير جداً وموصول بيها ماسك تنفس زى بتاع غرفة الإنعاش ... أترك ليك التخيل ده بيستخدم فى ايه وليه وازاى وفين وامتى

بعد ما "قطان" اشترى السيف اياه دخلنا محل شاورمة صغير فى نفس الشارع ... محل عامل زى أصغر قهوة بلدى فى مصر ... صاحبه مصرى برضو ... حقيقى كان محل ضايع ... ومفيش طبعاً غير لحم الديك الرومى اياه

مكنش فيه حاجة تانية تتعمل تقريباً ... الوقت قرب الغروب والدنيا مابطلتش مطرة من الصبح ... لبسنا كله بقى قابل للعصر والشماسى ملهاش لزمة ... كانوا ركنين العربية فى مكان ما قرب "آن فرانك هاوس" وهو أحد المزارات السياحية هناك .. آن فرانك هى بنت يهودية كتبت مذكراتها اثناء اختباءها لسنوات عديدة هى وأهلها فى البيت ده اثناء الاجتياح النازى لهولندا ... اكتشف مكان اختباءهم مع الوقت وتم اعدام العائلة كلها لكن المذكرات اتنشرت وتحول البيت الصغير الى مزار سياحى ورمز لاضطهاد اليهود أيام الحرب العالمية - فى الصورة تمثال شمع لآن فرانك من متحف مدام توسو

تهنا كتيييير والدنيا ليلت واحنا لسه مش عارفين نوصل الأوتيل ... وجدناه بمساعدة الخريطة لكن طلعنا على السوبرماركت عشان الناس تجيب شيكولاتة – اقتراحاتى المفتكسة طبعا – لكن واحنا راجعين تهنا تانى ... طبعا فرحوا بيا جداً
على ما وصلت الأوتيل كانت الساعة حوالى 11 ... وكنت قررت قرار لا رجعة فيه ان من بكرة الصبح ان شاء الله هاخد أول قطار على لاهاى ... أحاول أغير حجز قطار باريس من هناك علشان أرجع باريس فى نفس اليوم ... كنت طلبت من "منى" تحجز الأوضة دبل فى الأوتيل اياه ... باريس؟ هوه فيه زى باريس؟ ... بلا أمستردام با قرف ... ناس مريضة وأماكن مشبوهة وأدوات تدخين؟ جتهم القرف ملوا البلد