Friday, August 31, 2007

فى فرنسا والدول المتقدمة - الجزء الثامن


اليوم الحادى عشر

صوت خبط ودق فوق دماغى ... فتحت عينى ولوهلة مكنتش مجمعة أنا فين! فى هولندا ولا باريس ولا مصر؟ عارفين الشعور ده لما توصل بلد بالليل وتصحى منتش عارف كنت بتحلم وللا ده حقيقى؟ ... النور ضرب فى وشى ... أصوات الخبط والهد حقيقية مش صداع فى دماغى! يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم! ... مش كفاية أوضة فئران نازلين فيها ... كمان دوشة ... والساعة تجيلها 7 الصبح ... اكتشفت بعد كده ان الدوشة دى من جوة الأوتيل نفسه مش من الشارع زى ما كنت فاكرة فى الأول ... نزلت لقيت فيه عمال كتير فى الجزء الخلفى للأوتيل ... هوه أنا كل ما أروح حتة تبقى بتترمم؟ حسيت ان المشكلة فيا أنا .. منور يا عبد الله

المهم ... على ما صحينا ونزلنا كانت حوالى 9 ... قابلنا قطان فى اللوبى ومشينا لحد محطة المترو ... هو كان رايح المطار ... راجع مصر خلاص هو وبقية الشباب ... بدأت أفكر فى احساس ان "الحماية" هتسبنا ... يعنى لو حصل حاجة أو اتأخرت بالليل وخايفة أمشى فى الشارع لوحدى مش هقدر أكلمه يلحقنى؟ ثم أنا ازاى بقيت طفلة صغيرة بطلب الحماية كده؟ وللا هوه ده عادى لأنى أول مرة أسافر لوحدى؟ وللا هوه شعور الهشاشة المصاحب للمرض زى ما قلنا؟ وبعدين قطان نفسه كان عامللى ذعر ... قعد يدينا الوصايا العشر ومتتأخروش بالليل وترجعوا بدرى وتخلى بالكوا وكلام من القلق ده

بمناسبة الناس والسفر ... زمان كنت بسمع الحكمة دى "اختار الرفيق قبل الطريق" وكنت بفسرها على "حسن اختيار الأصدقاء" و "ماما قالتلى مكلمش ناس وحشين" الى آخره ... لكن اكتشفت فى الرحلة دى ان التطبيق الحرفى ليها هو الصاحب فى السفر ... مش مهم تكونوا أصدقاء قريبين أو حتى تعرفوا بعض قبل كده ... المهم يكون عندكم توافق فى الآهواء والاهتمامات والأهداف اللى عايزينها من الرحلة ... والأهم من ده كله : المرووووونة ... أنا عانيت كتير فى أكثر من سفرية بسبب سوء الصحبة ... ساعات ناس كانت بتبقى صحابى القربيين جداً ... لكن فى السفر باكتشف ان احنا مستحييييل نركب مع بعض ... شخصيات مستحييييل تعيش مع بعض ...و السفر عشرة ... 24 ساعة كل يوم مع نفس الأشخاص ... تخيل كده حياتك هتبقى ازاى لو انت ال24 ساعة دول مقضيهم مناقشات وخلافات حول كل شىء ... من أول "هنروح فين النهاردة؟" لحد "هناكل ايه ع الغدا؟" مرورا ب "هنصحى الساعة كام؟" وحتى "خللى نور الأوضة مفتوح عشان مبعرفش أنام فى الضلمة!" ... أنا سافرت مع أكثر من نوعية من البشر مبتتفقش معايا اطلاقا فى ابسط الأشياء ... ناس مثلاً كان عندها المصيف "أنتخة" ونوم مش خروج وفسح ... أصحى أنا من الفجر هاموت وأخرج وفى النهاية يا إما أخرج لوحدى با إما أقعد أحرسهم لحد ما يصحوا ... طب ايه لزمتهم أصلاً؟ ... وناس جننتنى فى أسلوب معيشتها ... أنا منظمة جداً والناس دى ممكن تقلع الجزمة فى مدخل الأوضة والهدوم تترمى على الأرض والشنط مبعثرة فى كل مكان ... الخ ... وناس تانية شخصيتها قيادية متسلطة ... اللى تقول عليه لازم هيمشى ومتحاولش تناقشها لأن حتى لو ناقشت برضو كلامها اللى هيتنفز فى الآخر
أنا قابلت النوعيات دى كتير ... قلبت سفريات كتيرة لجحيم لا يطاق ... حتى فى السفرية دى نفسها ... من أول اللى عايزين يناموا للى عايزين شوبينج وبس ... لكن آخر 4 أيام كانوا بالتأكيد استثناء ... "منى" كانت زيى فى حاجات كتير ... عايزة تخرج وتلف باريس كلها من شرقها لغربها وتجرب كل حاجة ... بالرغم من انها مش أول زيارة ليها... وكانت من الناس اللى بتحط خطط لكل حاجة ... بعد خيبة أملى فى الخطط اللى رسمتها فى مصر وكل العلامات اللى حطيتها فى كتاب السيتى جايد اللى ما سابش شنطتى لحظة لكن فشلت فى زيارة معظمها فى الأسبوع الأول, لقيتها هى كل يوم قبل النوم تطلع دفتر صغير زى اللى كنت شايلاه برضو ... نقعد نقول بكرة هنروح هنا وهناك ... وتانى يوم نمشى على الخطة بالظبط وبالليل تفتح الدفتر تانى ... تشطب على ما تم زيارته وتحط خطة اليوم التالى ... يا سلاااااااااااااام ... أورجانيزر شخصى لرحلتى كما تمنيت ان أقضيها ... ده غير انها كانت – أعزها الله – على قدر عالى من المرونة ... لو ابديت عدم حماسة لشىء بتكون على استعداد لالغائه أو تبديله ... وبتعمل اللى هي عايزه من غير ما تخنقنى ... حتى اليوم اللى نزلت فيه شوبينج لوحدها لقيتلى هى من نفسها حاجة أعملها فى الوقت اللى هاكون فيه لوحدى ... حقيقى لما أفكر فى كل الرحلات اللى كنت ضاغطة فيها على أعصابى وبتنازل عن حاجات كتير كان نفسى أعملها بسبب عدم رغبة الناس اللى معايا أو رغبتهم فى عمل أشياء مختلفة لا تهمنى فى شىء بحس أنى كنت متدلعة أوى فى ال 4 أيام الأخرنيين دول

على النقيض من كده بقى ... فيه شىء استغربت له جداً ... من المفترض ان الشباب هم أكثر انطلاقاً من البنات ... أكثر رغبة فى الانطلاق والفسحة ... وأكيد أكثر مرونة لأنهم مش نمكيين – من نمكى- فى اختياراتهم وطلباتهم ... اللى شفته فى الرحلة دى بقى كان نماذج عجيبة من الشباب ... بداية بيوم وصولنا باريس نفسه ... أول ما وصلنا الأوتيل مكناش قادرين نستنى ننزل الشارع ونستكشف المدينة ... واحدة من البنتين اللى معايا فى الأوضة كلمت شباب معانا من الدفعة قالولها انزلوا انتوا واحنا هنستريح شوية ونبقى نحصلكوا ... فيييييييييييين على 11 بالليل لما كلموها وقالولها انهم ناموا وصحيوا أكلوا وقاعدين فى اللوبى وهى دى الليلة بتاعتهم ... فى الوقت ده كله بقى كنا احنا رحنا برج ايفيل وركبنا الباتوبوس ورحنا النوتردام ورجعنا اتمشينا فى الشانزيليزيه ... كل ده وهما مش عايزين غير انهم يناموا ... مجموعة تانية من الشباب قابلناهم فى الطريق وسألونا رايحين فين فقالوا هييجوا معانا ... طول الطريق من أول الشارع لمحطة المترو واحد يفتكر انه جعان فنقف ربع ساعة على ما يشترى ساندوتش ... بعدها بشوية التانى يفتكر انه عطشان فنقف ربع ساعة كمان على ما يشترى مية... رحلة مدرسية! ... ده غير بقى الحوارات الكتير على "هنروح فين؟" ... "طب انتوا عارفين الطريق؟" ... "طب ما نروح هنا أحسن" ... وكل واحد منهم برأى ... لدرجة ان احنا زغنا منهم فى المترو – كانت غلطة غير مقصودة لكن الصراحة ما صدقنا ... ايه الناس دى؟؟؟ بجد مكنتش مصدقة! ازاى احنا كده وهما بالشلل ده؟

نرجع لخطة اليوم ... افترقنا مع قطان فى المترو ... نزلنا فى محطة سان ميشيل واخدنا أوتوبيس 21 الى محطة "لوكسمبور" حيث الحديقة التى تحمل نفس الاسم – جاردان دى لوكسمبور-... كنا شفناها من شباك حجرة السيناتور اياه يوم زيارة مجلس الشيوخ لكن ماكنش فيه وقت ندخلها ... من المفارقات العجيبة اللى اكتشفتها وانا أكتب هذه السطور انى فاكرة كويس اننا واحنا معديين جنب سور الجنينة يوم مجلس الشيوخ ده كانت "منى" معدية من جنبى وبتكلم حد بحماسة وبتقول له أن نفسها تدخل الجنينة دى ... مكنتش أعرفها من أساسه فى اليوم ده خالص ... ازاى أصلاً فاكرة الموقف ده؟ مش عارفة .. عجيبة ... ده غير فيه صورة اكتشفناها بعد ما رجعنا مصر كنا احنا التلاتة ... هى وقطان وأنا متصورين قدام الأكاديمية كأننا واقفين جنب بعض لكن كل واحد كان باصص فى اتجاه كاميرا مختلفة يعنى الصورة دى كل واحد عنده منها نسخة... وفى اليوم ده محدش فينا احنا التلاتة كان يعرف التانى خالص برضو ... سبحان الله

الجنينة حقيقى تحفة من جوة ... الرقع الخضراء من الأرض مع الأزهار الملونة المزروعة على طول محيطها تبدو كسجاجيد متقنة التصميم ... كان منها ثلاثة قطع فى منصف الحديقة تماما ... وحولها على مستوى أعلى مناطق أخرى كثيفة الشجر ... جلسنا قليلاً عند بحيرة دائرية فى منتصف المكان أمام المدخل ... كان هناك مراكب خشبية صغيرة بيلعب بيها الأطفال ... بتتأجر ب 6 يورو فى الساعة ... بينزلوها البحيرة ويزقوها بعيداً عن السور عن طريق عصا خشبية طويلة ويراقبوا حركتها مع تيارات المياه


الناس بقى فى الجنينة آآآآآخر روقان ... شعب حقيقى عايش حياته ... تلاقي كل واحد واخد كرسى معدنى من الكراسى المتناثرة فى كل حتة وقاعد ممد رجليه على كرسى تانى ولابس نضارة الشمس ونايم بيتشمس ... أو بيقرا فى كتاب .. أو حاطط سماعات فى ودانه وبيستمتع بالجو ... أو تلاقى مجموعة من الستات عاملين دائرة نقاش ... بيدردشو يعنى ... مش جايبين حلل المحشى أو الفسيخ وقاعدين ياكلوا ويبهدلوا الزريبة اللى الدولة عملاها لهم

قمنا نتجول شوية ... عدينا على منطقة فيها ملعبين تنس وملعب كرة سلة ومنطقة ألعاب أطفال ... ثم اخترنا الجلوس فى منطقة وسط الأشجار ... كل واحدة قاعدة على كرسى وفاردة رجلها على التانى ... هدوووووووء ... مبنتكلمش ... بنسمع بس صوت الهدووووووووووووووء ... وصوت العصافير وورق الشجر ... يا سلام لو عندنا فى مصر مكان زى ده ... ونبقى زى الشعب الرايق ده ... آخر الأسبوع الواحد ياخد بعضه من الصبح ومعاه كتاب وحاجة يسمعها ... يريح أعصابه يوم بعيد عن الدوشة والشغل والسواقة وووووو ... يا سلاااااااااااااام ... بس تفتكروا فيه مكان فى مصر ينفع يكون فيه جنينة متسمعش منها أصوات العربيات؟ ... أنا بيتهيألى مفيش عصافير فى سماء القاهرة ... مقدرتش تستحمل الدوشة وطفشت ... ده غير انه حتى لو فيه مكان زى ده ... الناس اللى فيه هيكونوا ايه؟ شعب مصرى ... يعنى لااااا ممكن أبداً واحد مصرى بيعتز بمصريته والنيل رواه والخير جواه يسمح ان مصرى زيه وابن بلده يستمتع بالهدوء ده من غير ما يفتح كاسيت جنبيه أو ينادى على صحابه من على بعد 10 أمتار وصوته يخرم ودنك أو يبعت ابنه الصغير يخبطك بالكورة فى دماغك ويبصلك ببراءة ... يعنى ... حاجات كتير من دى ... المهم انك لا مممكن ابداً تستمع بلحظة هدوء وسط الشعب المصرى العظيم

قمنا ورجعنا تانى لمنتصف الجنينة ... حيث السجاجيد اللى تفرح اياها ... فيه سجادة منهم مفروشة بدل الورد بنى آدمين ... لأنها المنطقة الوحيدة المسموح فيها بالمشى فوق الحشيش ... الناس كلها تقريبا نايمة بتاخد حمام شمس على الأرض ... طبعاً لأننا مش م البلد دى ... ونفسنا نبقى زى البلد دى ... عملنا زيهم ... شىء عمرنا ما هنعملوا ابداً فى مصر ... مش عشان عيب ولا غلط ... عشان احنا شعب تندب فى عينه 100 رصاصة ... مبيسبش حد فى حاله ... الناس كلها بتبص على بعض فى الشارع ... والله بتكسف أمشى فى الشارع فى مصر أصلاً من كتر ما الناس تبص وتركز قوى وتتفحصك من أعلى رأسك حتى أخمص قدميك ... ليه؟ مش لأنك نايم على الأرض فى جنينة ولا حتى عشان ماشى على ايديك ورجليك فوق ... لأ ... لمجرد انك بنى آدم وبتتنفس أوكسجين زيهم ... شوف يا أخى قلة أدبك

النومة على الحشيش وأنت مش شايف فوقك غير سماء زرقاء والسحاب بيعدى فيخفى الشمس شوية ثم يتحرك فيظهرها مرة أخرى ... لأول مرة بحس بالمظاهر الطبيعية دى ... تحس انك واحد بس فى الكون ... جسمك لامس الأرض والسماء فى وقت واحد ... شعور جمييييييييييييل ... للأسف انتهى سريعاً عشان وقتنا محدود ... دى مشكلة الرحلات القصيرة ... عندك مليون حاجة تعملها فى بضعة أيام ... لولا كده كنا قضينا بقية اليوم فى المكان ده

مشينا للجزء الشمالى الشرقى من الجنينة حيث النافورة الكبيرة بتمثالها المستوحى من الأساطير الرومانية والمنطقة الجميلة الغنيه بالأشجار الكثيفة والورود الملونة والنباتات المختلفة المحيطة بحوض النافورة الطويل على الجانبين ... النافورة اسمها "فونتين دى ميدسى" على اسم مارى دى ميدسى المالكة الأصلية للقصر حيث مجلس الشيوخ الآن والجنينة الكبيرة دى الملحقة بيه ... والنافورة دى هى القطعة الوحيدة المتبقية من ديكورات القصر الأصلية منذ تم بنائه سنة 1630
كانت دى آخر محطة لينا داخل حديقة لوكسمبور ... خرجنا عشان ناخد الأتوبيس رجوعاً الى سان ميشيل ... كنت جعانة جداً و"منى" قالت ان فيه محلات شاورمة حلال هناك ... اكتشفنا ان المحطة اللى ممكن نركب منه الأوتوبيس فى اتجاه سان ميشيل بعيدة ... فى آخر الشارع المواجه لمدخل الحديقة حيث يقع مبنى ال"بانتيون" وهو مبنى كان يستخدم أصلا ككنيسة – بانتيون كلمة مشتقة من الأغريقية تعنى "بيت الآلهة" – ولكن تحول الى ضريح يضم أجساد العديد من المشاهير مثل "فولتير" و"جان جاك روسو" و"فيكتور هوجو" و"إميل زولا" وغيرهم
أذكر اننا دخلنا أجزخانة فى شارع البانتيون ده طلباً لقطرة للعين لأن عينى كانت ملتهبة جداً بقالى كام يوم ... أذكر هذا تمهيداً لموقف حصل معايا بعدها بكام يوم سيأتى وقت روايته لاحقاً

وصلنا سان ميشيل ودخلنا منطقة الحى اللاتينى ... بالتحديد الى الشارع الضيق الواقع بين كافيه "سان سيفيرين" اللى واخد ناصية كاملة على الشارع يمين نافورة سان ميشيل الشهيرة وبين محل كبير من محلات "جيبير جن" للكتب القديمة المنتشرة فى هذه المنطقة بالذات ... لم نبتعد كثيراً عن مدخل الشارع حتى وجدنا محل شاورمة لبنانى ... نفس الشاورمة زى اللى فى هولندا ... لحم الديك الرومى المجلد اياه ... لكن الفرق بقى فى طريقة عمل الساندوتش ... هنا بيحطوا الشاورمة مع البطاطس المحمرة كلها مع بعض ملفوفة فى رغيف من العيش الشامى كما تطوى الجريدة ... كانت أكلة تسد لغاية بالليل ... هوه ده المطلوب

واحنا خارجين اخدت قطعتين من العيش الباجيت الناشف اديت واحدة ل"منى" وخرجنا الى النافورة ... كان عندى هدف كان نفسى أعمله من وأنا فى هولندا – تحديدا فى الدام سكوير – وهو انى أاكل الحمام ... فعلا وقفنا شوية بنتصور واحنا بناكل الحمام المنتشر فى الساحة أمام النافورة ... آدى أول حاجة تمشى صح زى ما كنت عايزة من أول الرحلة العجيبة دى

خط المترو 1 فى اتجاه "شاتو دى فينسان" آخد مننا أيام وليالى فى الأسبوع الأول لأنه نفس الخط اللى فيه محطة الأوتيل فى الشانزيليزيه ... فكلما خرجنا لازم نبدأ بالتحرك على الخط ده وفى الاتجاه ده ... لذلك كان اسم "شاتو دى فينسان" يتكرر أمامى ومنى شبه يومياً لكن مكنتش أعرف ايه الشاتو ده ... "منى" بقى كانت عايزة تروحه ... قالت انه كان مقفول ولسه فاتحينه قريباً للجماهير ... ماشى ... أخدنا المترو ونزلنا آخر الخط ... كنا الوحيدين فى المحطة تقريباً ... طلعنا على بعد خطولت قليلة من الشاتو كما رأيت صوره فى بعض اعلانات المترو من قبل

شاتو دى فينسان هو قلعة صغيرة ... فارغة تماماُ مثل قلعة قايتباى فى الاسكندرية ... له بوابة خشبية كبيرة تصل اليها عبر جسر خشبى صغير مربوط بسلاسل الى جدران القلعة مما يوحى انه كان يرفع فى بعض الأحيان فيتعذر الدخول الى القلعة لان حولها – تحت الجسر – خندق عميق ربما كان مليئا بالمياه فى يوم من الأيام
بعد عبورك البوابة تمشى فى ساحة خالية فى آخرها على اليمين المبنى الداخلى للقلعة حيث كان مقر الجنود وعلى الشمال كنيسة صغيرة – يسمون الكنائس الصغيرة "شابيل" ... على غرار الفرق بين الجامع والزاوية كده – دخلنا القلعة برغم ان الساعة كانت قد بلغت الخامسة وهو ميعاد الإغلاق ... طلعنا السلم الحجرى على يسار البوابة الى المستوى الثانى من القلعة ... لاشىء سوى ممرات بفتحات كبيرة مثل النوافذ المقطوعة من الجدران الحجرية ... رجعنا الى السلم وأكملنا الصعود الى البرج اليسارى ... من فوق ترى المنطقة المحيطة بالقلعة كلها ... على مرمى البصر الى اليسار مساحة كبيرة من الأشجار ... باختصار ... الجو العام يوحى بأيام الفرسان والنبلاء ... فكرنى قوى بفيلم "الفارس الأول" – ذا فيرست نايت – بتاع ريتشارد جير لما راح ينقذ جوليا أورموند من قلعة ما فى وسط غابة

ما علينا ... خرجنا من القلعة الى الشارع ... نزلنا محطة المترو لكن لقينا الطريق مسدود ... مش فاكرة بالظبط ايه اللى خلانا نبتدى ندور على الجنينة التى تحمل نفس الاسم "فينسان" ... تقريباً قرأنا الاسم فى المترو "بوا دى فينسان" ... يعنى غابة مش جنينة ... المهم ... سؤال أو اتنين للمارة عن الاتجاه خلونا نمشى فى شارع طويل موازى للسور الجانبى للقلعة ... المنطقة هنا تعتبر من الضواحى المتطرفة لباريس ... فهى أكثر هدوءاً واتساعاً ... وصلنا الى الغابة بعد شقاء ... كنا فى حركة متواصلة من الساعة 9 الصبح والطاقة انخفضت ... قعدنا على الحشيش على بعد خطوات قليلة من يسار المدخل ... حوالى 10 دقائق راحة لا أكثر ... حتى اننا ظبطنا منبه الموبايل ونمنا الشوية دول

كان لسه قدمنا زيارة ال"جاردان دى توليرى" حسب جدول الزيارات اياه ... ركبنا المترو تانى ونزلنا فى محطة "باليه رويال – اللوفر" ... دخلنا من البوابة الجانبية المواجهة للواجهة الغربية للهرم الزجاجى ... كانت المنطقة مزدحمة بالناس حول الحوض المائى المحيط بالهرم والنافورة الواقعة خلفه ... كثير من الناس قد خلع حذائه و"دلدل" رجله فى المية سواء ناحية الهرم أو فى النافورة ... و... طبعاً لأننا مش م البلد دى ... ونفسنا نبقى زى البلد دى ... عملنا زيهم ... شىء عمرنا ما هنعملوا ابداً فى مصر ... مش عشان عيب ولا غلط ... عشان احنا شعب تندب فى عينه 100 رصاصة ... مبيسبش حد فى حاله ... الى آخر الحوار ده اللى قريتوه قبل كده ... تشششششش ... شعور رائع انك تحط رجليك فى مية ساقعة متلجة بعد عناء يوم طويل من المشى المرهق فى كوتشى ضيق وبرضو كان نفسى أقعد كده لحد بالليل ... لكن برضو اللحظات الجميلة وقتها محدود ولازم نتحرك


مشينا عكس اتجاه المتحف الى داخل حديقة التوليرى نفسها ... أمامنا على اليمين العجلة الدوارة الكبيييييييييرة – لا جراند رو - التى يكاد يصل ارتفعها الى 15 طابق ... كانت من ضمن الحاجات اللى راحت مع اللى راح من خططى ... وأخيراً زست ... ركبناها فعلاً ... اليوم ده ماشى زى ماحنا عايزين بطريقة تخوف! ما شاء الله

والعجلة الدوارة دى بطيئة جداً بعكس ما تصورتها تماماً ... لكن بطئها يسمح لك انك تشوف باريس كلها ببطء ... كعادة أى نقطة عالية ... فمبانى باريس كلها على مستوى ارتفاع واحد باستثناء عدد محدود جداً من المبانى ... لذلك تستطيع بسهولة تمييز هذه المبانى اذا صعدت لأى منطقة أعلى من مستوى المبانى العادية ... هذه الأماكن واللى شفناها كلها من فوق هى الساكر كور وبرج ايفيل ومبنى "مونبرناس" ومنطقة "لا ديفنس" والقبة الذهبية ل"ليز اينفاليد" ... ومع بعض التركيز ممكن تحدد مكان مسلة الكونكورد وقوس النصر والنوتردام

نزلنا من " الجراند رو" مع نهاية اليوم وبداية الغروب ... بضع محطات أخرى وكنا فى الأوتيل لتغيير ملابسنا والاستعداد للمساء ... لكن تأخرنا كثيرا فى النزول ... وصلنا الشانزيليزيه وكنا عايزين نتعشى فى مطعم سى فوود مشهور هناك اسمه "لبون دى بروكسل" ... لكن للأسف كما ان لا شىء كامل كان ده بداية تدهور الخطة التى لم يتبق منها الكثير ... وصلنا المطعم قرب الحادية عشر فرفض الجارسون دخولنا لأنهم هيقفلوا ... مش مهم ... بعض الاخفاق لا يضر خصوصاُ مع انجازات اليوم الرائعة ... مشينا حتى محل هاجن داز بتاع الآيس كريم اياه ... دخلنا لقينا زحمة فظيعة وطابور طويل ... اتخنقنا ولغينا الفكرة ... مش مهم برضو ... انتهى الأمر بآيس كريم من ماكدونالدز وخلاص ... كانت دى آخر حاجة نعملها ... اتمشينا لحد الأوتيل ... الساعة قربت من الواحدة ... وحصل اللى كنت خايفة منه ... اتنين عرب – مغاربة طبعاً - مشيوا ورانا من بداية الشارع عند قوس النصر ... فضلنا ماشيين بنمد لحد ما وصلنا قرب شارع الأوتيل وكانوا بطلوا يمشوا ورانا ... مش عارفة ليه - يمكن احنا اللى كان عندنا بارانويا وقتها - بس الحمد لله ... فينك يا قطان! ... بمجرد دخولى الأوتيل تقريباً كنت نسيت تماماً الموقف اللى حصل ده ... مكنتش عايزة حاجة تفسد اليوم ... نمت وأنا فى منتهى التعب والرضا التام عن انجازات اليوم ... أخيرا يوم مشى عدل من أوله لآخره فى الرحلة دى

No comments: