Tuesday, August 28, 2007

يا سفرياتك يا هولندا - الجزء الثالث



:اليوم العاشر


قمة النشاط والحيوية ... مجرد فكرة إنى راجعة باريس شحنت البطارية ع الآخر ... لميت حاجتى وعلى المحطة من الساعة 9 ... قطعت تذكرة على أول قطار الى لاهاى ... كان على وشك المغادرة ولحقته على آخر لحظة

المسافة قصيرة جداً لا تتعدى نصف ساعة ... وصلت محطة " دى إتش هولند سبور" - دى إتش اختصار "دن هييج" ... يعنى لاهاى بالهولندية لكن فى الكتب العربية بيستخدموا الاسم الفرنسى لها : لاهاى - وكان لازم أبدل لقطار آخر عشان أنزل السنتراال ستاسيون– المحطة الرئيسية للاهاى

لاهاى هى واحدة من أشهر خمسة مدن فى هولندا ... هى "مقعد الحكومة" كما يسمنوها حيث انها مقر الحكومة وبها قصر الملكة ... تقع على الساحل فى الجنوب الغربى من هولندا وحولها عدة مدن مهمة ايضا مثل "روتردام" التى يطلق عليها "أكبر ميناء أوروبى" ... وبين روتردام ولاهاى تقع مدينة "دلفت" المشهورة بصناعة بالفخار الأزرق الذى اشتهرت به هولندا كلها كما انها بلدة الرسام الهولندى المشهور "فيرمير" – لو كنت شفت فيلم "الفتاة ذات القرط اللؤلؤى" هتعرفه ... وليس ببعيد عن لاهاى ايضا هناك مدينة "لايدن" بجامعتها التى هى أقدم جامعات هولندا ... وبالطبع لا أنسى "أوترخت" الى الشرق قليلاً من لاهاى وهى رابع مدينة رئيسية فى هولندا وبها أكبر جامعاتها


فى السنتراال ستاسيون توجهت مباشرة لمكتب "يورو ستار" علشان أقدم حجز التذكرة اللى كنت حاجزاها من ع النت ليوم 28 ... قبل ما خيالك يشطح لمكتب التذاكر فى محطة مصر حدانا بالرجل الكشرى اللى بيقطعلك التذاكر كأنه بيديلك حسنة – ومتستاهلهاش يا مصرى يا كلب أنت - لازم أغير إحداثياتكم لمكاتب مصر للطيران مثلاً ... حيث توجد ماشين تاخد منها رقمك وأنت داخل وتروح تقعد لحد ما تلاقى رقمك ظهر على إحدى الشاشات المعلقة فوق مكاتب الحجز ...و آآآآآآدى قعدة
مرت حوالى نصف ساعة أو أكثر قبل ان يظهر رقمى على الشاشة ... توجهت الى السيدة الموظفة اللى أفادتنى أفادها الله انها لا تستطيع تعديل حجز الانترنت ... الحل الوحيد انى أحجز تذكرة جديدة وأقوم بالغاء حجز النت بمعرفتى ... ماشى ... لكن مافيش تذاكر بتخفيض للشباب لقطارات اليوم ... طب بكام التذكرة؟ 91 يورو!!!! ... ده تقريباً ضعف ثمن تذكرة الانترنت ... وكمان درجة تانية! ... طبعاً مفيش قدامى حل تانى ... أمرى الى الله ... قطعت تذكرة فى قطار الخامسة والنصف مساءاً

كان فيه فى آخر مكتب الحجز ركن فيه 3 كمبيوترات للاستخدام العام ... كيبورد معدنى غريب الشكل أنيق المظهر والملمس بطرفه كرة معدنية دوارة تستخدم كبديل للماوس وهو – الكيبورد – مستقر بأكمله داخل الكاونتر كأنه جزء منه ... ايه التكنولوبيا ديه! ... الكمبيوتر عليه فقط موقع "يوروستار" حيث يمكنك قطع التذاكر أو تعديل حجزك بدون اللجوء لموظفى شباك التذاكر ... حلو قوى ... أدخل بالمرة ألغى حجز التذكرة بتاعة يوم 28 دى ... مش فاهمة ولا كلمة ... أنا أعرف بعض الكلمات الهولندية لكن مش قوى كده ... بعد محاولات عديدة فاشلة وطلب المساعدة من ناس معظمهم يا زيى مش فاهمين حاجة يا مستعجلين ومش فاضيينلى قررت أمشى وأبقى أتصرف فى باريس

خرجت من مكتب "يورو ستار" إلى شباك صغير فى المحطة حيث استفسرت عن وسيلة مواصلات الى ال"مادورو دام" وحجزت تذكرة ترام ذهاب واياب الى هناك ... خرجت من المحطة أحمل الحقيبة السوداء الكبيرة اياها – اللى خدتها من الشارع فى باريس - لأجد الترام أمامى مباشرة ... الحمد لله مش هامشى كتير

الترام يشبه تماما ترام أمستردام ... حتى ثمن التدكرة المعهود ... 1.60 يورو ... يبدو انه سعر موحد فى كل أوروبا ... هناك فارق صغير عن ترام أمستردام ... فيه شاشة كمبيوتر مربعة فى الركن العلوى للعربة توضح خط سير الترام كله أى أسامى كل المحطات التالية مع التنويه عن المحطة القادمة قبل الوصول اليها ببضع ثوانى ... وعلى عكس أمستردام كان فيه مفتشين فى بعض المحطات

لاهاى مختلفة كلية وجزئية عن أمستردام ... بشوارعها الواسعة جداً ومبانيها الحديثة العالية ومساكنها الشبيهة بمساكن الضواحى وازدحامها بالسيارات نسبياً ... حتى الناس فى الشارع شكلهم مختلف ... هولنديين أصليين مش سياح زى معظم أمستردام ... ده غير انهم على الأقل شكلهم طبيعيين مش انحراف زى أمستردام - انا لسه عندى صدمة "غير" حضارية من اليومين اللى فاتوا



بعد حوالى 6 أو 7 محطات من السنتراال ستاسيون نزلت قصاد المادورو دام مباشرة ... عند دخولى طلب منى رجل الأمن ان أترك الشنطة – الداهية – فى مكتب الاستقبال ... فعلتها عن طيييييب خاطر ... على الأقل أتجول براحتى دون العائق السخيف اللى محتاسة بيه من الصبح ده
مع دخولك من البوابة تجد نفسك فى طابق علوى مفتوح ... لا يفصله سوى سور مثل البلكونة يطل على المادورودام ... لكن قبل ما تدخل ما تنساش تتصور وأنت واقف جوة ال"كلومب" ... أو القبقاب الخشبى الكبير المحطوط فى مواجهة المدخل بحيث يكون المادورودام كله وراءك ... ال"كلومب" هو من أهم ما تشتهر به هولندا بجانب الطواحين وزهور التيولب... حيث كان الهولنديين الفلاحين الأوائل يلبسونه عند العمل فى المزارع ... تجده فى جميع محلات السوفينيرز ... بل ان الهولنديين نفسهم يطلق عليهم "كلوجيز" أى "الذين يرتدون القباقيب – كلوجز" ... هههه

المادورودام - يطلقون عليه ايضاً "هولندا المصغرة" - هو ما يشبه متحف مفتوح ... به ماكيتات مصغرة لأشهر المناطق فى هولندا ... المبانى والمتاحف ... الشوارع والطرقات ... مطار "سخيبول" كاملاً والمحطة الرئيسية لأمستردام بخطوط قطاراتها العديدة ... بل ويوجد نماذج للقطارات نفسها ... الطواحين التى تشتهر بها هولندا ... الطرق الحرة – هاى واى – وأنفاقها ... هناك نماذج مصغرة لسيارات من مختلف الأشكال والأحجام وهى تسير على هذه الطرق حقيقة ... والقنوات المائية وفوقها الجسور التى يستطيع الزائر ان يقف فوقها ويراقب حركة السفن والعبارات المصغرة التى تجرى فيها

الواقف فى المادورودام يشعر باحساس "جاليفر" فى بلاد الأقزام من فرط دقة النماذج ... بل ان الصور الفوتوغرافية تعطيك نفس انطباع الفيلم ... بنى آدم بطول عمارة ... وقد اعتنوا بأدق أدق التفاصيل ... شوارع كاملة بمبانيها وكامل تفاصيلها ... من السيارات المركونة بجوار الأرصفة إلى إشارات المرور والناس التى تعبر الطريق إلى أعمدة الإنارة والأشجار

كانت الدنيا حر وشعرت بالتعب ... طلعت الى الطابق العلوى مرة آخرى المطل على المدينة المصغرة ... كان هناك مقاعد مواجهة للمدينة كأنك قاعد على الكورنيش ... جلست لفترة ثم قررت أن اتوجه الى منطقة آخرى كان علىّ زيارتها ... الشاطىء

قبل ما أخرج من المادورودام عرفت انى ممكن اترك الشنطة عندهم وأرجع آخدها تانى ... الحمد لله! ... بينا على البلاج

ركبت نفس خط الترام حتى آخر محطة وهى محطة الشاطىء ... منطقة تدعى "سخيفينيجن" ... معلش الاسم صعب كعادة كل الاسامى الهولندية الملعبكة ... أنا درست بعض مبادىء الهولندية يوما ما ... هى لغة سهلة بغض النظر عما تبدو عليه الكلمات من تعقيد ... فهى تعتبر خليط من الانجليزية والألمانية ... لو سمعتها تحس ان واحد أهتم بيتكلم انجليزى ... مع الكثير والكثير من حرف ال"خاء" المحشور فى كل كلمة تقريباً ... بص الجملة دى
Deze week is mijn vader op de werf met mijn broer en zijn dochter.
وهى تعنى ببساطة
This week, my father is on the wharf with my brother and his daughter
وهى تشبه الألمانية فى كلمات كثيرة مثل كلمة صباح الخير التى هى "جوتن مورجن" بالألمانية و"خودن مورخن" بالهولندية مع فارق نطق الجيم خاء فقط تقريباً ... لكن عموماً الهولندية لغة "فولجير" زى الإخوة الفرنسيين ما بيقولوا ... لغة غليظة صعب قوى يتقال بيها شعر أو أغانى مثلاً ... استغرب ان فيه شاعر هولندى كبير زى "فوندل" بتاع الفوندل بارك فى أمسترادام ده مثلاً ... يكفى ان أقولك ان كلمة "جميل" لوحدها معناها "براختيخ"!!! حاول تنطقها كده وحس بالشاعرية؟ وللا كلمة زى "بحبك" معناها "إك هاوفن ياو" ... يا لاهوى! ده أنا اللى يقوللى كده أمسح بيه الأرض! ... عموماً مفيش أى مشكلة فى التعامل باللغة الانجليزية فى شوارع هولندا بجميع مدنها لأن معظم أهلها يتحدثون الانجليزية بطلاقة خصوصاً الشباب والأجيال الحديثة

سخافينيجن هى منتجع ساحلى فى لاهاى على الساحل الغربى لهولندا المطل على بحر الشمال ... الوصف الأقرب ليه فى بلدنا هو المعمورة لكن على مساحة أكبر بكتير لكن نفس النظام ... شاطىء عريض يفصله عن صف من المحلات والمطاعم – بدل الشاليهات فى المعمورة – ممشى ممهد بالأسفلت بطول الشاطىء كله يعرف لغوياً باسم "اسبلاناد" ... والمحلات والمطاعم تقع فى دورين ... واحد موازى للممشى وآخر فوقه بسور مثل البلكون ... وهناك جسر خشبى يخترق البحرعلى الطرف الأيمن للشاطىء وفى نهايته منارة سخيفنيجن ... وخارج الشاطىء نفسه المنطقة مليئة بالأوتيلات والمحلات ... منطقة سياحية بالدرجة الأولى هى

فى الدور العلوى للمشى هناك متحف بحرى وأوتيل ومطعم مشهور اسمه "كوور هاوس" يتميز ببناءه العتيق ذو القبة الشبيهة بقبة البرلمان ... وفى أقصى يمين الشاطىء هناك مول تجارى كبير من عدة طوابق آخدت جولة على الممشى – الاسبلاناد – وتوقفت عند "كشك" للمأكولات الخفيفة ... تذكرت أنى لم آكل البطاطس المحمرة المشهورة بها هولندا ... يسمونها "فريتيس مايوناز" ... قلت ألحق نفسى بقى فى آخر كام ساعة ... وقد كان
... آخدتها – أى البطاطس – ونزلت إلى رمال الشاطىء ... جلست على الرمال الناعمة – مفيهاش الكنوز المدفونة اياها من الزبالة طبعا - ً... طبعاً الجو بارد وقد تمطر فى أى وقت فالناس قليلة ولا يوجد شماسى أو كراسى بحر ... بمعنى آخر ... تخيل برضو المعمورة فى الشتاء

لم أتحمل الرياح الباردة طويلاً ... طلعت مرة أخرى فاستكملت الجولة على الممشى بالاتجاه العكسى حتى وصلت إلى المول ... نظرت فى الساعة كانت حوالى الثانية ... مازال أمامى أكثر من ثلاث ساعات كاملة على موعد القطار ... تجولت سريعاً فى المول ... فرق شااااااااسع بين الأذواق فى باريس والأذواق فى هولندا ... تلاحظها فوراً حتى فى طريقة لبس الناس العادية فى الشارع ... فالهولنديين يلبسون كيفما اتفق وليس ايما أتسق كالباريسيين ... كما ان الجودة لا تعنى الكثير لهم بالرغم من وجود توافق فى الأسعار مع منتجات باريس

خرجت من المول بعد نصف ساعة أو أقل لأجدها تمطر بشدة ... فتحت الشمسية وهرولت لأحتمى بتندة محطة الترام المقابلة ... مضت 10 دقائق كاملة قبل ان يأتى الترام ... لا أعرف لم افترضت بغبائى انه يوجد خط ترام واحد فركبت أول ترام وصل ... فقط لأكتشف بعد محطتين أو أكثر انه يسير باتجاه غير الذى اتيت منه ... نزلت وركبت الترام الراجع الى سخيفنيجن مرة آخرى ثم انتظرت لآخذ الترام الصحيح الذى عرفت انه رقم 9

نزلت فى محطة المادورودام عشان آخذ الشنطة – الداهية – اياها ... آخذتها وأكملت مع الترام التالى الى السنتراال ستاسيون ... فى الطريق خطر لى اننى يجب ان ألغى حجز الأوتيل ... أخرجت أوراق الحجز وبالفعل وجدت انه اذا لم أقم بالغاء الحجز قبل 24 ساعة كاملة من ميعاد الوصول – الذى هو فى حالتى يوافق يوم الغد – سيتم خصم قيمة الليلة الأولى من حساب الفيزا التى استخدمتها لتأكيد الحجز ... كده أنا عديت ال24 ساعة أصلاً ... يستحسن أروح أتفاهم معاهم فى الموضوع ده بدل ما يخصموا منى 60 يورو ... هى مش ناقصة بعد تذكرة القطار

بالفعل سألت عن رقم الترام اللى ممكن ينزلنى فى شارع الأوتيل وركبته من أمام المحطة ... آخذنى فى جولة طويلة عبر حوالى 10 محطات كاملة اخترق فيها شوارع وسط المدينة حيث وجدتها أكثر ازدحاماً وحيوية من المناطق الأخرى التى ممرت بها ... نزلت فى ميدان اسمه "برينس هيندريك بلاين" - فى الصورة - ... المنطقة كلها هادئة جداً ... عدد السائرين فى الشارع لا يتعدى أصابع اليد الواحدة ... وصلت الأوتيل الذى يأخذ موقع رائع يطل على الميدان مباشرة ... وددت لو قضيت ليلة أو ليلتين هنا لكن للأسف لن أتمكن من تغيير حجز القطار مرة آخرى ... شرحت لصاحبة الأوتيل موقفى وكانت فى منتهى الذوق وقدرت انى جئت كل المسافة دى علشان ألغى الحجز فقامت بألغائه بدون خصم عقوبة التأخير

ركبت الترام مرة آخرى ولكن هذه المرة أستكملت الرحلة مرورا بالسنتراال ستاسيون إلى محطة "دى إتش هولند سبور" حيث تصل القطارات الدولية الخارجة من نطاق هولندا ... الساعة حوالى الرابعة وباقى ساعة ونصف أو أكثرعلى ميعاد القطار
جلست على أحد المقاعد وكان بجوارى سيدة هولندية ... سألتها وأنا أتضور جوعاً اذا كان هناك سوبرماركت قريب فنفت ... ثم اقترحت بعض محلات الساندوتشات السريعة فى المحطة فأخبرتها انى لا آكل سوى آكل حلال ... كلمة "هلال فوود" مألوفة بالنسبة لمعظم الأوروبيين ... فهمتنى على طول لكن قالت لى أنه صعب ألاقى أكل كده هنا ... إلا فى سوبر ماركت "ألبرت هاين" حيث يوجد جزء كامل مخصص للحوم الحلال ... لكن السوبر ماركت بعيد عن المحطة ... كان الموضوع ده "آيس بريكر" جيد كما يقولون لفتح حديث طويل ... كانت سيدة لطيفة فى العقد الخامس ... أخبرتها عن كرهى لأمستردام ووافقتنى فى الرأى ... الغريب ان معظم من قابلتهم من الهولنديين يكرهون أمستردام ...يمكن بنفس منطق كرهنا للقاهرة باعتبارها العاصمة المزدحمة المختنقة بجحافل البشر الساكنين فيها والقادمين اليها على حد سواء؟ ... عرفت منها انها تسكن فى مدينة صغيرة على بعد ساعة ونصف من لاهاى حيث تعمل ... كل يوم تقوم بهذه الرحلة من والى لاهاى لكنها تحبها ولا ترغب فى تغيير عملها ... ومتحبهاش ليه؟ قطار مريح 24 قيراط ... تمر بيه عبر المزارع والمناظر الطبيعية الجميلة ... لتصل الى مدينة نظيفة راقية ... تعمل بها نصف النهار ثم تاخذ نفس الطريق عائدة الى بلدتها التى لا أعتقد انها أقل جمالاً ... اللهم لا حسد ... هههه

قضينا نصف ساعة فى حوار خفيف ثم جاء قطارها فودعتنى بلطف وانتطلقت ... الشعب الهولندى عموماً بسيط ... مفيهوش الأنزحة الألمانى ولا العدوانية الفرنساوى ولا البرودة السويدية ... هم فى نظرى أقرب الى الأمريكان فى سهولة التعامل معهم ... الأمريكى شديد البساطة ... لا يحمل أى نوع من العقد الاجتماعية ... بغض النظر عن اختلافنا معهم ككتلة أو كحكومة هم من أكثر الثقافات التى استطعت التواصل معها بدون تحفظات ... ربما لأن أمريكا نفسها هى بوتقة انصهرت واختلطت فيها العديد من الثقافات

دا كان فاصل ونعود ... عدنا بقى إلى كرسى المحطة ... احتلت المكان الشاغر بجانبى الآن فتاة مغربية ... ولأنها محجبة فقد كان المتوقع ان نحيى بعضنا بابتسامة ... بادرتنى هى بالسؤال عن جنسيتى ... تكلمنا كثيراً عن رحلتى الى باريس ثم هولندا ... ما أعجبنى ومالم يعجبنى ... كانت تسكن فى بروكسل – بلجيكا – وكانت فى زيارة لأختها التى تعيش فى لاهاى ... كانت تتحدث العربية "شبه" الفصحى بطلاقة أدهشتنى ... عمرى ما فهمت مغربى ... سألتها فأخبرتنى انها من البربر ... وهم يتحدثون العربية الفصحى بطلاقة ... أخبرتنى عن مدن المغرب ... مراكش وطنجر وأغادير وكازابلانكا وغيرها ... وعن المسلمين فى بروكسل ... كتير هم ... معظمهم من أصول مغربية طبعاً ... تحب هى بروكسل كثيراً ... تقول انها أكثر هدوءا ورقياً من هولندا ... صحيح الناس أهواء ... فكل من روى لى عنها رأها مدينة مملة ... سبحان الله ... وسألتنى كثيراً عن مصر والقاهرة ... أحببت الحديث مع "أسما" كما كان اسمها ... لكن للأسف قطارها وصل ايضاً وتركتنى مع كثير من الدعوات و "سلامت الله خيتى" ... لسه فيه كام كلمة مغربى لازم تطلع

نصف ساعة آخرى وجاء قطارى أخيراً ... الفرق بين الدرجة الأولى والدرجة الاقتصادية ليس كبير لكن واضح فى المساحات وطبعاً ان مفيش وجبة مكرونة مجمدة مع أعشاب البحر – وما خفى كان أعظم - من اللى قدموهالنا فى القطار الآخر ... الحمد الله ... وفروا

استغرقت فى نوم عميق معظم الرحلة ... وصلت محطة "جار دو نور" فى حوالى التاسعة والنصف ... ازاى أوصف شعورى لحظة ان وضعت رجلى فى باريس للمرة التانية؟ ... هوم سوييت هوم ... شعور رائع بالانتماء للمكان ده ... انى حافظة شوارعها ومحطاتها ومحلاتها ... انى رجعت حضن مألوف بعد أيام العذاب فى هولندا ... كنت سعيييييييييييييييدة

آخدت المترو الحبيب حتى محطة "تيرن" حيث الأوتيل العتيد اياه فى شارع "بونسيليه" ... وصلت هناك مع الغروب... فى الطريق ألقيت نظرة على سوبر ماركت "مونوبرى" المواجه للشارع ومنيت نفسى بالأكل أخيراً بمجرد ان اترك الشنطة فى الأوتيل
استقبلنى رجل لم أره من قبل شكله هندى ... عرفت بعدها أنه من "بنجلاديش" ... سألت عن الحجز باسم "منى" ... فعلى طريقة الهنود كان يهز رأسه موافقاً ويقول "يس يس مادام" ... ثم يسألنى "يعنى عايزة تحجزى أوضة؟" ... لأ ... نركز بقى ... أنا تبع الأوضة الدبل ... "فيه واحد كمان حاجز أوضة ... اسمممممه – بيدور فى الكمبيوتر – كتتان" ... ايوووه ... مظبوط ... قطان ... نرجع بقى لموضوعنا ... الأوضة الدبل يا عم ... "سووو ... يو وانت سينجل رووم أور دبل رووم؟ " ... يادى الليلة! ... بص يا سيدى ... مش فيه أوضة دبل باسم "منى"؟ أنا بقى هنزل فى نفس الأوضة دى معاها ... فين المفتااااااااااح ... بابتسامة عريضة "أوو ... يس يس ... ناو آى سى" ... ايه الشطارة دى؟ ايه النباهة دى؟
طلعت بقى أنا اللى ظلمت الراجل تقريباً .. لأن اللى مكنتش أعرفه ساعتها ان "قطان" و"منى" لعبوا معاهم كراسى موسيقية ... كان لازم يتلخبط ... بعد ما سابونى فى هولندا وصلوا باريس ع الفجر ... ف"قطان" استحرم يدفع ايجار ليلة كاملة عشان كام ساعة بس ... راح عمل اييييه؟ حجز أوضة سينجل باسمه وقال ل"منى" تاخدها ... لف هوه فى الشوارع لحد الصبح ... الصبح "منى" حجزت أوضة دبل ونقلت فيها وأخد "قطان" أوضته تانى ... أنا بقى لما آجى أكلم الراجل عن الناس دول يبقى عنده حق ميفهمش مين مع مين وازاى! ناهيك عن عاملات النضافة اللى شافوا "منى" فى تلات أوض مختلفة فى غضون ثلاثة أيام ... مرة معايا من يومين قبل هولندا ... ثم فى أوضة "قطان" ثم فى أوضة تالتة خاااالص النهاردة ... الحمد لله ان الشعوب دى مبتركزش فى أحوال الناس التانية والا كانوا ظنوا بنا الظنون

سألت الأخ البنجلاديشى عنهم فقاللى انهم خرجوا ... آخدت المفتاح وطلعت الأوضة ... هى الأوضة الملاصقة للأوضة الأولى اللى كنا فيها من قبل ... لكن نفس المساحة والمحتويات تماماً ... سيميترية تامة ... للأسف ... لكن كان فيه فرق بسيط جداً اكتشفته ليلتها هو ان مرتبة السرير "مقعرة" ... يعنى زى الطبق ... يعنى تنام على الطرف تصحى تلاقى نفسك فى المنتصف ... كنت طوال الليل باتسلق – بالمعنى الحرفى للتسلق - الى طرف السرير كلما انتبهت الى انى تخطيط الحدود الجغرافية لمنطقتى

تركت الشنطة ونزلت من فورى طلباً للأكل ... كنت أتضور جوعاً ولم آكل شىء طوال النهار سوى البطاطس المحمرة على الشاطىء ... ما ان وصلت الى ناصية الشارع حتى وجدت "مونوبرى" مغلق ... بيقفلوا هنا الساعة 10... مفيش أى نوع من المحلات فى المنطقة سوى بارات وكافيهات ... قلت أمشى حتى "مونوبرى" الشانزيليزيه اللى على ناصية شارع الأوتيل القديم ... أعرف انه بيفتح حتى 12 ... فى الطريق جاتلى مكالمة من "قطان" ... سألنى أنا فين ولما لقى الوقت متأخر قاللى هاجيلك ... فعلا ما أن اشتريت شوية حاجات آكلها من السوبر ماركت حتى كان عندى ... قعدنا شوية على "بنش" قريب لغاية ما أكلت ... عرفت منه ان "منى" فى ديزنى مع "زهران" وان "زهران" و"هانى" غيروا الأوتيل لواحد تانى عند برج ايفل بعد ما احنا سافرنا هولندا ... كانوا كلهم مسافرين بكرة ومش هايفضل معايا غير "منى" ... قلت لقطان أنى عايزة أروح النوتردام وسان ميشيل أشوفهم بالليل وصعب أروح أنا و"منى" بعد كده لوحدنا ... كان تعبان لكن بما أنه كان متبنينا – أو لاقينا على باب جامع - فوافق ... نزلنا محطة "فرانكلين روزفلت" لقيناها زحمة جداً ... والمترو كمان اتأخر لحد ما بقى فيه حوالى 4 صفوف من البشر على رصيف المحطة ... لغينا الفكرة طبعاً ... طلعنا من المحطة قلنا ناكل "كريب" من "ديلى" ... كنا بنعدى عليه كل يوم فى الأسبوع الأول لكن عمرى ما أكلته ... كنت حتى زعلانة لما مشيت من باريس إنى جيت باريس ومشيت من غير ما آكل "كريب" ... حد بالذمة يعمل كده؟
سبحان الله كان ليا نصيب فيه ... هناك فيه ماكينة بيفردوا عليها المعجون السائل للكريب ويغطوها فتكون "كريب" - مش لاقية ترجمة للكلمة ... فى مصر بيسموها "كانيلونى" و أنابيل كانت بتقول عن الفطير "كريب أوريونتال" يعنى كريب شرقى - فى ظرف دقيقتان ... ثم يدهنوها بكمية فظيعة من النيوتللا ويقطعوا عليها شرائح الموز ويلفوها على شكل "كون" مبطط ... وبالهنا والشفا ... واحدة من ديه كفاية لحد عشاء بكرة

قعدنا شوية فى نفس المكان اياه ثم جت مكالمة لقطان من "منى" ... كانت راجعة من ديزنى وقلنا لها هنستناها عند محطة شارل ديجول ... واحنا فى طريقنا الى قوس النصر حيث المحطة كان فيه مجموعة من 3 شباب واقفين على طرف الرصيف ومعاهم كاسيت كبير وبدأت الناس تتجمع ... ثم بدأ كل واحد من الثلاثة شباب فى الرقص "بريك دانس" ... وسيلة أخرى من وسائل الشحاتة بأناقة وذوق ... ربما من غير المنصف ان نسميها "شحاتة" ... هى أقرب الوصف الى استعراض تطوعى غير محدد الأجر .. أرفع لهم القبعة

جلسنا على "بنش" أمام محطة المترو مباشرة على نهاية رصيف الشانزليزيه وأمام قوس النصر تماماً ... مرت حوالى 15 دقيقة وانضمت لنا "منى" ... جلسنا حوالى 10 دقائق آخرى فاصبحت الواحدة صباحا ... الشانزيليزيه لا ينام ... لا تشعر بالوقت فيه اطلاقا فالشارع كأنه فى العاشرة مساءاً وحركته لم تهدأ اطلاقاً
اخذنا طريق العودة الى الأوتيل ... اذكر هنا حادثة صغيرة ... الشارع الرئيسى خالى تماماً من السيارات والمارة على حد سواء ... ونحن نعبر شارع جانبى ضيق لا يتسع سوى لسيارة واحدة ...وبالفعل هناك سيارة صغيرة تقف خلف خطوط عبور المشاة بحيث سمحت لنا بالعبور أمامها ... والسيارة لم تتحرك حتى بعد عبورنا وحتى مع خلو الشارع من نملة ... تفتكروا ليييييييييييه؟ ... لأن الاشارة حمراء!!! ... الساعة وااااحدة بعد نص الليل والشارع فااااااضى ... وده واقف ملتزم بالاشارة ... لا تعليق ... لأنى لو علقت هاكمل عشر صفحات تانيين بقصائد مطولة فى حب مصر ومرور مصر وعساكر مرور مصر و___ مصر ... وحسبى الله ونعم الوكيل

4 comments:

ahmeed said...

شكرا علي الوصف الممتع...انا بستفيد كتير منك في رحلاني...ولكن لماذا توقفتي ؟؟!شكلك اتجوزتي وبقيتي سائحة في دنيا العيال ...تحياتي الكبيرة لكي

ahmeed said...

والنبي فوللنا توقفتي ليه؟؟واين انتي؟طمنينا

ahmeed said...
This comment has been removed by the author.
رشأ الخطيب said...

استمتعت بوصفك لسفرياتك في هولندا..مع أنني لا أحب القراءة بالعامية ولكن أسلوبك جميل جدا.
بالتوفيق