Thursday, June 26, 2008

من العتبة الى القرية الذكية رايح جاى - الهند 4

هل تتخيلوننى أرتدى سترة جلدية وأضع على رأسى خوذة سوداء وأركب دراجة نارية خلف شاب هندى؟
هههههه ... حيلكم ... ما تسرحوش أوى ... صحيح انى كنت قاب قوسين أو أدنى من ذلك المشهد البوليوودى الخيالى الا انه لم يحدث قط ... القصة وما فيها ان "فينيش" هاتفنى البارحة وأخبرنى انه سوف يرسل صديقاً له يدعى "أتول" ليأخذنا فى جولة للعثور على فندق آخر ... بعد ان شكوت له من ضيق أمى بالغرفة التى تخلوا من النوافذ ومستوى الفندق العام ... وبالفعل وجدت رقماً غريباً يطلبنى فى المساء ... كان "أتول" هذا يتفق معى على اللقاء فى التاسعة من صباح الغد وأعطيته العنوان كاملاً ثم سألنى سؤالاً لطيفاً: "عندك مانع تركبى موتوسيكل؟" ... طبعاً لم يرى فكى الساقط مع سؤالى: "هتيجى تاخدنا على موتوسيكل؟" ... ضحك كثيراً قبل ان يشرح لى انه سيأتى بالسيارة من أجل جولة البحث عن فندق ثم سيقوم باعادة أمى الى الفندق ثم يأخذنى بعدها الى فرع الشركة – الشركة التى أعمل بها – حيث كنت قد وعدت الجميع بالزيارة اليوم ... ومن أجل ذلك فهو يفكر فى ترك السيارة والذهاب بالموتوسيكل كما تعود .... عرفت بعدها ان كثير من الهنود يمتلكون دراجات نارية الى جانب سيارتهم لانها اسرع وأوفر حيث ان الزحام هنا لا يطاق كما ان اسعار البنزين مرتفعة للغاية
طبعاً اعتذرت عن موضوع الموتوسيكل وقال هو انه لا يوجد مشكلة ... فناهيك عن انهم : "يجتلونى فى البلد يا ولد" لو فعلتها وتعلقت بوسط رجل غريب على موتوسيكل يقطع شوارع الهند هناك مشكلة الملابس حيث انى لا أملك سوى بنطالون جينز واحد وما دون ذلك هو جيبة من اجل الزيارات الرسمية مثل زيارة الشركة! ومع ذلك فقد ندمت على هذا القرار فى اللحظة التى وقع فيها عينى على "أتول" ... ففى التاسعة تماما من صباح اليوم الثالث نزلت أنا وأمى سلالم الفندق لنجد شاباً طويل القامة وسيم الملامح ينسدل شعره الناعم على عينيه فيزيحمها بحركة سريعة مع هزة من رأسه .... هو ده فعلا المشهد البوليوودى! يا نهاااااار! يعنى أنا كنت هاركب ورا ده؟ ضحكت أمى كثيراَ متخيلة المشهد! - أنا بهزر مش باعاكس ماحدش يفهمنى غلط! - ... استقبلنا بابتسامة بوليودية وانحنى لامسا ركبة أمى ... نظرت لها فى اذبهلال بمعنى: "هو بيعمل ايه فى ركبتك" ... ضحكت وأخبرتنى ان "سنجاى" فعل الشىء ذاته بالأمس وأخبرها انها تعبير عن "طلب المباركة" من كبار السن كنوع من الاحترام والاجلال
عرفت منه اننا سنتوجه أولاً الى منطقة تدعى "كونوت بلايس" أو باختصار "سى.بى" وهو يعتبر مركز المدينة ... بمجرد ان دخلتا تلك المنطفة احسست اننى قد انتقلت الى بلد أخرى ... فالمبانى كلها بيضاء – أو على الأقل كانت كذلك فى يوم من الأيام – وقد تراصت على جانبى شوارع منتظمة تبدأ كلها من مركز واحد: دائرة ذات قطر شاسع من الأرض الخالية تتوسط الحى بحيث يصبح المكان كله كقرص الشمس تتفرع منه الشوارع كخطوط الأشعة فى جميع الاتجاهات
كان الطراز المعمارى للمنطقة كلها شديد الشبة بمنطقة السوق الافرنجى بمدينة بورسعيد المصرية ... سألت "أتول" ان كانت هذه المنطقة تعود الى فترة الاحتلال الانجليزى للبلاد فأجاب بالايجاب. الآن عرفت سر الشبه ... غريب جداً ان تلمس آثار احتلال احد البلاد فى أكثر من بلد على بعد المسافة والاختلاف الشاسع فى الحضارات بين البلدان المحتلة ... نفس الشىء تلمسه عند التعامل مع الجهات الرسمية هنا فى مصر أو هناك فى الهند ... نفس البيروقراطية الانجليزية المملة تلقى بظلالها على مستعمراتها السابقة بعد عشرات السنين من أفول شمس الامبراطورية البريطانية

كانت المنطقة تتميز بشىء آخر غير الطراز المعمارى ... ساحات الانتظار .... هللوايا! هذه البلاد تعرف ساحات الانتظار! بل وهناك ايضا تلك الفصيلة من البشر التى تتوالد اطراديا فى بلدنا الحبيب وندعوها فصيلة "السباس" –جمع سائس – وهم بشر طفيليون ينمون فى الشوارع المصرية وخاصة أمام جميع المصالح الحكومية والمبانى التجارية وعند وجود أى مبنى يزيد تردد الزائرين له عن عشرة أفراد فى اليوم ... وهذه الفئة الطفيلية من البشر تتغذى بشكل أساسى على أوراق البنكنوت لافظة بحدة وتعالى أى ورقة تقل عن فئة الخمسون قرشاَ ... وهى تستخدم عديد من وسائل الالتهام للحصول على هذا الغذاء أهمها طريقة البلطجة ... حيث يقوم الكائن الطفيلى بالظهور أمامك فجأة اذا ما سولت لك نفسك ان تتحرك بسيارتك قيد أنملة ثم يقف بطريقة معينة هى ما بين التظاهر بمساعدتك وبين التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور ان سولت لك نفسك ان تنطلق دون ان "تقب بالمعلوم"! ومن وسائلهم ايضاً "التناحة" وهى وسيلة شديدة الفاعلية خاصة مع الطبيعة العصبية الغير صبورة لأى سائق سيارة مصرى "يحترم نفسه" ... فيقوم الكائن من هؤلاء بالوقوف فوق رأس السائق تماماً ويتمتم داخل أذنه مباشرة بعدة عبارات سحرية من عينة "مع السلامة يا باشا" ... "ربنا يباركلك يا بيه" ... "كل سنة وأنت طيب" ... حتى تحولت مصر فجأة فى السنوات الأخيرة الى مستوطنة للبكوات والبشوات كما ان الاحتفال بعيد ميلاد كل مواطن دائر على قدم وساق فى جميغ أنحاء المعمورة وبشكل يومى

توقف "أتول" أمام العديد من الفنادق ... وكان يذهب ليسأل ان كان هناك غرف متاحة وعن الأسعار ثم يعود ليأخذنا الى الداخل ان وجد شيئاَ ... على كل هو لم يوفق الى ذلك سوى فى مرتين: مرة فى فندق لا يوجد به مصعد والغرفة المتاحة تقع فى الدور الثالث مما لا يناسب أمى صحياً ... والمرة الآخرى كانت فى فندق غرفه بلا نوافذ ... لا أعرف سر عدم وجود نوافذ فى معظم ان لم يكن كل مبان الهند! شىء غريب فعلاً ... المفترض ان أول شىء تسأل عنه عند دخولك أى مكان هو المنظر الذى تطل عليه النافذة ... هنا السؤال أصبح: هل هناك نافذة من الأساس؟
بعد العديد من المحاولات الفاشلة نظراً لازدحام الغرف بسبب موسم الأفراح كما ذكرت آنفاً, توقف "أتول" أمام احد المحلات ليسأل ان كان هناك أى فنادق آخرى فى المنطقة فأسار اليه الرجل ان يتبعه ... تركنا أمى فى السيارة ثم سرنا خلف الرجل مسافة لا بأس به حتى أخذنا الى داخل أحد المكاتب السياحية ... استقبلنا رجل وآخذنا الى مكتبه الصغير بطرف المكان وأخبرناه بطلبنا فعرض علينا بعض منشورات الفنادق ... كانت كلها تزيد عن 5000 روبيه فى الليلة ... أى حوالى مائة دولار .... بعد حوارات وجدال طويل اتفقنا ان يحجز لنا فى أوتبل ب 4000 روبية فى الليلة ... كان هذا السعر يفوق ميزانيتنا بمراحل لكن لم يكن هناك مفر مع شكوى أمى المستمرة من فندقنا الحالى. أصر الرجل ان يأخذ كل النقود مقدماً ورغم اعتراضى دفعت مرغمة وأعطانى الإيصال مع المنشور الخاص بالفندق والذى يحمل عنوانه مع عدة صور لغرفه النظيفة ومكتب الاستقبال النظيف المختلفان كل الاختلاف عن فندفنا الحالى والذى يبدو مع المقارنة كبنسيون "الحسين" فى مصر – اذا أسعدك الحظ بزيارة منطقة الحسين أرفع رأسك قليلا وتطلع الى المبنى الموجود فوق محلات "المالكى" و "الدهان" فى الساحة المقابلة للمسجد العريق.
عدنا الى السيارة وانا فى صراع داخلى ما بين ارتياحى لانقضاء هم العثور على فندق مناسب وبين الميزانية التى دمرت بالكامل لكنى عموماً قررت بينى وبين نفسى ان احاول تناسى الأمور المادية حتى لا تفسد على بقية الرحلة أكثر مما هى مفسدة بالفعل
انطلقا الى الفندق الموصوف للتأكد من حالة الغرف وخلافه ... قطعنا ما يقرب من نصف مسافة العودة الى منطقة "راجورى جاردن" حيث الفندق الحالى حين دخلنا فجأة الى منطقة شديدة الزحام ضيقة الشوارع هى أقرب ما تكون الى منطقة "العتبة" فى القاهرة عرفت ان اسمها "كارول باغ" ... بدأ قلبى يخفق ... هل الفندق هنا؟
تبادلت مع أمى النظرات وعلى وجهى أعتى امارات التناحة فى حين "أتول" أوقف السيارة فى شارع جانبى على ناصيته محل أسماك حقير ... نزلت وقدماى لا تطاوعاننى ونظرت خلفى فاذا بالمبنى الموجود فى المنشور اياه ماثل أمامى ... الفرق الوحيد كان انه بدلاً من السماء الزرقاء النقية والأشجار الخضراء على جانبى المبنى الأبيض الجميل كان هناك مبنى أقرب الى الاصفرار منه الى البياض تحيطه مبانى قديمة كالحة اللون من الجانبين وأمامه على الرصيف المقابل أكوام من الزبالة!!!!!
حسبى اللللللله ونعم الوكيل! اللهى ينتقم منك يللى اخترعت الكمبيوتر جرافيكس اللى سمحتلهم يلعبوا فى الصور بالطريقة دى وينصبوا على السياح المختومين على قفاهم من أمثالنا!
قلت يا واد طنش خاااااااااااااااالص ... يمكن صور الغرف تكون صادقة ... بالفعل ما ان دخلنا الفندق حتى انتقلنا داخل صورة جرافكس ... نفس مكتب الاستقبال الصغير الأنيق مع لوبى ضيق لكن لطيف ... طلبنا مشاهدة الغرف فأخذونا – فى المصعد - الى غرفة نظيفة ذات أثاث حديث ومتسعة الى حد كبير. أخيراً تنفست أنا وأمى الصعداء وأخذنا نمنى أنفسنا بقرب تخلصنا من غرفة الفندق الآخر القميئة برائحتها اللعينة ... لكن الآن علينا العودة الى ذلك الفندق مرة آخرى حيث سأترك أمى وحدها لأول مرة فى تلك البلاد التى تركب الأفيال وأذهب الى محل العمل مع "أتول" كما اتفقنا
فى الطريق الى الشركة تبادلت أحاديث طويلة مع "أتول" عن كل شىء ... طبيعة عملى ومعارفنا المشتركة فى فرعى الهند ومصر ... كان يحب الرحلات وعنده خطط كثيرة للسفر فتحثنا كثيراً عن مصر وفرنسا وهولندا ... سألته أسئلة كثيرة عن كل شىء فى الهند وحكيت له طبعاً عن كل ما حدث لنا فى اليومين السابقين وضحك كثيراً على مغامراتنا مع سائق التاكسى اللعين بالأمس ... ثم انه سألنى ان كنت تذوقت الأكل الهندى بعد فأخبرته عن عشاء البارحة فقال لى انه يريد ان يأخذنى لتناول شىء خفيف من الأكلات الهندية الصميمة قبل التوجه الى الشركة ... وبالفعل وجدته يدخل الى ساحة انتظار عامة تحت أحد الكبارى ... ثم تبعته لنعبر الشارع المزدحم الى منطقة يبدو انها مدخل سوق محلى ... أعتقد ان اسمه "تيلاك ناجار" ... ولك ان تتخيل انه اذا كانت منطقة "كارول باغ" حيث فندقنا الجديد هى "العتبة" فان هذا السوق هو النسخة الهندية من "الموسكى" ... كما ترون فى الصورى فحتى "بدلة حمادة بجنيه" و"قميص أبو حمادة بجنيه" موجودين هناك ... لحسن حظى اننا لم ندخل الى السوق نفسه بل وقفنا على الناصية أمام هذا الرجل الأنيق بمحله المتنقل الذى يقابل عربات الفول عندنا ... أما ما يوجد أمامه فهو قطعة مدورة مما يشبه الخبز الناشف لكن ذات سماكة رقيقة جداً وفتحة من فوق ... وما يقوم به الرجل هو حشوها بيده الشريفة – الغير نظيفة أكيد – ببعض حبات الحمص الشامى المسلوق ثم يضيف عليها بعض من سائل أحمر ذا طعم حلو ثم يقوم بغمرها بيده الشريفة كذلك فى هذا الإناء الطويل الممتلىء بسائل حار الطعم يشبه عصير الليمون ويخرج يده فاذا بالقطعة المدورة ممتلئة بالخليط المتناقض من السائل الحار والسائل الأحمر الحلو فيضعها فى طبق ألمونيوم كما ترى من الصورة ويقدمها لنا ... أخذتها مرغمة مجاملة ل"أتول" – الله يقرفه – وصببت السائل الليمونى الحار فى الطبق ثم أكلت القطعة سريعا على قضمتين قبل ان أفكر كثيرا فى محتوياتها من جميع أنواع الجراثيم والميكروبات التى تعجز جميع موسوعات علم الإحياء عن جمعها فى مجلد واحد ... للمعلومة فقط وليس للاغراء بالتجربة هذا الشىء المأكول اسمه "جول-جب-با" أو "بانى بورى"... ربنا يشفى!
ظننت ان آخر ما فى جعبة "أتول" من "عزومات" قد نفد لكن هيهات ... لو لم يكن هندياً لأقسمت ان هذا الفتى هندى أصيل! ... مشينا مسافة عدة مبان بمحاذاة الشارع الرئيسى فكنا عند التاصية التالية وعلى رأسها محل كبير للحلويات ... الحقيقة ان الحلويات الهندية تشبه الى حد كبير جداً الحلويات الشرقية فى شكلها لكن نادراً ما تتفق معها فى الطعم ... فعندهم العديد من الأصناف التى يدرجونها تحت وصف "حلويات" رغم ان مذاقها مالح ... أشار "أتول" الى عدد من الأصناف معطياً اياى اساميها لكن طبعاً لم يعلق بذاكرتى منها سوى الصنف المسمى "حلوى" – أو "حلفا" بتعطيش الفاء كما يكتبونها – والذى أكلته فى الفرح بالأمس ... ثم أنه طلب قطعة من صنف ما يدعى "راسجوللا" – وهو ما بدى لسمعى كمن يقول "رزق الله" – وهو عبارة عن كرة بيضاء لا طعم لها تقريبا تغوص فى سائل أبيض شديد الحلاوة ... تذكرت اننى أكلت هذا الصنف من قبل ايضا فى الطائرة
سألنى "أتول" عن رأيي فى الأكل فرفعت له إبهامى بمعنى "سوووووبر" وأنا أجز على أسنانى وبصعوبة أمنع نفسى من إفراغ عشاء البارحة كله على الأرض كلما ومضت فى رأسى صورة الجراثيم الزاحفة على ما أكلته لتوى ... كانت تعبيرات وجهى هى تقمص محترف لوجه سمير غانم وهو يجلس أمام شيرين فى مسرحية المتزوجون وهى تقول له "كل ده من حلاوتها"!
وأخيراً وصلنا الى الشركة بعد قضاء حوالى ساعة أخرى فى الطريق ... فالشركة تقع فى مدينة تماثل "القرية الذكية" – مع عدم وجود أى نوع من الاجرائات الأمنية الموجودة فى تلك الأخيرة – فى اول طريق مصر/ الاسكندرية الصحراوى ... هذه المنطقة تدعى "جورجون" وهى مدينة من تجمع لعدة مدن جديدة "تحيط بنيو دلهى وتسمى المنطقة بالكامل ولاية "هاريانا
والداخل إلى "جورجون" هو فى الواقع يقوم بنقلة حضارية كاملة ... فالمكان يختلف شكلاً وموضوعاً عن دلهى ... سواء فى الأبراج الزجاجية المرتفعة التى تحمل أسامى أكبر الشركات العالمية مثل IBM … DELL … Ericsson وغيرها الى شكل البشر أنفسهم الذين يرتدون البدل وربطات العنق ... وان كان المشهد فى الشوارع المجاورة لا يخلو من بعض آثار شعب دلهى الطبيعى كما ترون فى الصورة
ما أن وصلنا الى الشركة حتى قام "أتول" بالاتصال ب"فينيش" يخبره بوصلنا ... صعدنا فى المصعد الكبير الذى يتسع ل 20 شخص على الأقل وكان "فينيش" على الباب لاستقبالى ... تركنا "أتول" ذاهباً الى مكتبه فى طابق آخر بينما أخذنى "فينيش" فى جولة سريعة حول المكان ... الحقيقة لا وجه للمقارنة اطلاقاً بين موقع الشركة فى الهند وموقعنا فى مصر ... أولاً مساحة الطابق الواحد رهيبة تتسع لأكثر من 800 موظف ... قال لى "فينيش" ان مثل هذه المبانى يتم انشاءها فى سرعة رهيبة لأنهم لا يقومون ببناء حوائط وانما فقط عواميد وأرضيات ثم يقومون بتقفيل جميع الجهات بالزجاج ... ثانياً الخدمات المتوفرة: مطعم كبير يخدم الموظفين وغرفة استراحة صغيرة بها "انتريه" جلد وشاشة بلازما يصل حجمها الى 70 بوصة تقريباً و –صدق أو لا تصدق – "فون بوث" للمكالمات الدولية!!
الحقيقة كان الاستقبال رائع من الجميع ... تعرفت على معظم من أتعامل معهم عن طريق التليفون والايميل فقط فى مصر كما قابلت عديد من الأشخاص الذين كانوا قد قاموا بزيارتنا من قبل فى القاهرة ... كما ان مدير الفريق الذى اتعامل معه هناك أعد لى مفاجأة لطيفة حيث وجدت اثنان من زملائى يدعوننى للنزول الى "كوستا" تحت المبنى لأقابل بقية الفريق ... وبالفعل وجد الفريق كله مجتمع ... من أعرفهم ولا أعرفهم ... وعرف الجميع انفسهم واحد واحد لكن طبعاً بعد 10 دقائق فقط كنت قد نسيت أى اسم يتفق مع أى وجه!
الحقيقة ان الهنود شعب مضياف وكريم الى أقصى الحدود ... فمقارنة بهم نحن المصريون نبدو كاليهود!
انقضى اليوم سريعا بين الزيارات والترحيبات حتى كانت الساعة السادسة ... موعد المغادرة فى سيارة الشركة مع "آرتى" ... فكل خمسة أو ستة موظفين مخصص لهم سيارة "مينى فان" للذهاب والعودة يومياً.
أما عن رحلة العودة تلك فحدث ولا حرج ... هى هجرة جماعية لجميع الحشود الجامعة من الموظفين العاملين بكل الشركات المتواجدة بجورجون ... فاذا عرفت ان شركتنا وحدها بها 1300 موظف فلك ان تتخيل حجم الجحافل المغادرة فى نفس التوقيت من "جورجون" الى "دلهى".
قضينا أكثر من ساعة تقريبا على الطريق السريع – وهو يدعى "سريعا" مجازا لأنه لا يفرق عن حالة محور 26 يوليو عندنا – حتى وصلنا الى دلهى ... ثم ساعة آخرى داخل دلهى كنت قد وصلت الى حالة من الاختناق والغثيان من فرط الزحام ونقص الأكسجين لم أعرفها أبداً فى أشد الأيام ازدحاماً فى القاهرة المحروسة حتى وصلنا أخيراً الى "راجورى جاردن" ... نزلنا فى الشارع الرئيسى مقابلين ل "سيتى سكوير مول" وأخذنا "ركشة" لمدة لم تزد عن ال10 دقائق حتى الى الفندق ... ودعتنى عندها "آرتى" لتركب الباص الى بيتها فى حين عدت أنا مرهقة لأتفقد أحوال أمى ... قالت انها تجولت قليلا فى الشوارع المجاورة والمول القريب ثم نامت معظم اليوم ... ثم اننا تشاجرنا بسبب شكواها من المكان والبلد والرحلة من أساسها فخرجت غاضبة ووقفت فى الشارع والجوع يقرصنى ... نظرت أمامى فوجدت "ماكدونالدز" ... دخلت وطلبت وجبة "ماك فيجى" النباتية آخذتها وعدت الى الغرفة ... أكلت الساندوتش الصغير الشبيه بقرص الطعمية ثم نمت فى صمت ... لا أريد التفكير فى الأيام القادمة