أقول أخذنا طريق العودة إلى قلب الواحة ... الطريق الأسفلتى الذى عرفناه بعد فوات الآوان بعد ان قطعت أنفاسنا فى طريق الذهاب الترابى ... ثم بدأنا نغنى تلك الأغنية الايطالية القديمة ... لا أعرف متى بدأناها لكنى فى هذه المرحلة كنت قد حفظت المقطع الرئيسى منها رغم جهلى التام باللغة نفسها ... لكن الايطالية لا تختلف كثيراً عن الاسبانية على العموم فكانت سهلة بالنسبة لى ... لا شاتى مى كانتااااارى – دعنى أغنى – كون لا كيتارا ان مانو – والجيتار فى يدى – لا شاتى مى كانتارى – دعنى أغنى – أونا كانسونى بيانو بيانو – أغنية ببطء "واحدة واحدة يعنى" ... نقود دراجاتنا ونغنيها جميعاً فلا يسمعنا أحد سوى أشجار النخيل على الجانبين ... وربما سمعنا السيويون من داخل الحقول والبساتين فلم يهتموا بالأجانب ومزاجهم العالى
وصلنا الى ساحة السوق مرة آخرى ... صديقتى المصرية كانت قد بلغت الصفر من الطاقة وبدأت تصدر انات مثل الموبايل الذى فرغت بطاريته فأعلنت الانسحاب وصعدت لترتاح فى الأوتيل ... أما أنا والايطاليان فاتجهنا لتفقد شالى ... شالى هو جبل يحتوى على بقايا منازل أهل سيوة القدامى ... فهو يمثل المركز الرئيسى للواحة حيث عاش أهلها تحيطهم أشجار النخيل من جميع الجهات ... ثم كان ان نزل الأهالى وانشأوا المساكن والبيوت على أرض الواحة وبين الأشجار فتوسعت الواحة الى ما هى عليه اليوم ... وفى فترة من الزمن كان شالى يستخدم كقلعة يتحصن بها أهل الواحة من غارات الأعداء حيث كان الجبل يتيح لهم موقع مرتفع يصعب تسلقه دون التعرض لرصاص الأهالى اذا استلزم الأمر
لم نكد نسير فى الممر الجانبى أسف شالى حتى وجدنا شاب أسمر نحيل يقف على باب بيت ... قام بتحية الايطاليين وسألهم عما فعلوا اليوم ... فهمت من كلامهم معاً انه قابلهم فى منزل سيد فى الصباح حين كنت أنا فى الأوتيل
ثم انه قال انه فى غاية السعادة اليوم لأنه تلقى خبر حصوله على منحة لدراسة ماجيستير الزراعة فى ايطاليا ... لا استطيع ان أصف كل هذا النور الذى كان يطل من وجهه وابتسامته البيضاء الصافية تملأ روحه ذاتها فرحاً وسعادة ...محمد – وهذا كان اسمه - تكلم كثيراً عن استعداداته وتوقعاته ... واعطته "سيمونا" عنوانهما وتليفوناتهما فى ايطاليا اذا احتاج اليهما ... سبحان الله ... شاب سيوى صغير السن ... يعيش فى هذه البيئة الصحراوية البسيطة ... يتحدث الانجليزية بطلاقة وقدر لا بأس به من الايطالية وحاصل على بكالوريوس زراعة من جامعة الاسكندرية والآن حصل على منحة لتحضير الماجيستير فى ايطاليا ... سبحان الله! مصر فعلاً ولادة والله
ثم انه أصر ان يدعونا للشراب فى الأوتيل ... عرفنا وقتها ان ما كنا نقف ببابه هو أوتيل ... أوتيل طبيعى ... تم تأثيثه داخل حجرات ما تبقى من بيوت شالى نفسها ... أخذنا فى جولة داخل المكان ... الحجرات مختلفة الأحجام ... فهى محفورة فى حضن الجبل بطريقة طبيعية ... وتم تأثيثها بالكامل بخامات طبيعية ... فقاعدة السرير من جريد النخيل والشماعة عبارة عن حبلين يتدليان من الحائط المسقوف بجذوع الأشجار ويتصلان بقطعة من الخشب تعلق عليها الشماعات ... حتى المصباح المتدلى من منتصف الغرفة مصنوع من الأحبال المجدولة وتكلسات الملح المحفورة على شكل مكعب يحتوى على اللمبة
صعدنا الى سطح الأوتيل فكانت ساحة فى ارتفاع الدور الثانى فى عمارة متوسطة تتطل على ساحة السوق وموقف الأتوبيسات وتحتوى على عدد من المناضد والمقاعد الخشبية ... استئذنا محمد وغاب بضع دقائق ثم عاد ومعه أكواب الكركديه المثلج المزود بالنعناع ووقف يشرح لنا بعض المعلومات عن شالى ومساكنها ... شكرناه على حسن ضيافته وتمنى له كل التوفيق فى دراسته ثم انتلقنا الى الشارع مرة آخرى
كنا نريد الذهاب الى عين فطناس ... وهى آخر المعالم الرئيسية فى جدولنا وعلى بعد حوالى 4 كيلومترات آخرى خارج الواحة ... كان الوقت يدنو من المغرب فاضطررنا الى الغاء الفكرة والاكتفاء بالتسوق ... خصوصاً انهما قررا الرحيل الى القاهرة الليلة ... "سيمونا" هاتفت "لورا" وطلبت منها حجز تذكرتين فى السوبرجيت الى مرسى مطروح الليلة ... فكرت قليلا ووجدت انه من الأفضل لو رحلنا معهما ايضاً لأننا سنرح فى الصباح على كل الحال فلا داعى للمبيت الليلة والذهاب بصحبتهما سيكون أكثر أماناً ... هكذا طلبت من "سيمونا" ان تكلم "لورا" مرة آخرى وتضيف تذكرتين اضافيتين
الآن حان وقت الصعود الى شالى ... كان الليل قد خيم والجبل يعكس ظلال صفراء تلقيها "سبوتات" اضاءة تم زرعها فى أماكن متفرقة من الجبل لمساعدة الصاعدين اليه ... كان الصعود صعباً بالنسبة لمعدومة اللياقة مثلى ... خصوصاً مع عدم انتظام الأحجار ووعورتها ... كنت أخشى مع كل خطوة ان يختل توازنى ... واختلال التوازن هنا وخصوصاُ مع اقتربنا من القمة لا يعنى سوى شىء واحد ... ان تزل قدمى واسقط فيدق عنقى على الفور ... الموضوع مش هزار ... الجيم فور العودة الى القاهرة .... حتمااااااً ولااااااااااابد
المشهد من فوق شالى غاية فى الروعة ... الصخور المنيرة بالانعكاسات الصفراء تحتنا ثم كل نقاط الضوء اللامعة فى منتصف الواحة والمتناثرة بين أشجارها على مرمى البصر ... ثم أذن المؤذن لصلاة العشاء ... أول أذان اسمعه بوضوح و كان لسماعه سحر عجيب فى هذا الجو العام
نزلنا ولله الحمد بلا اى خسائر تذكر سوى مزق خفيف فى كتفى اليمين نتيجة تشبثى بصخرة عالية وتحميلى عليه لجذب جسدى الثقيل الى الأعلى
عبرنا الشارع فأعدت دراجتى الى صاحبها وانطلقنا فى جولة حرة فى السوق ... معظم المعروضات تتكون من المصنوعات اليدوية من الكليم والوسائد الصوفية والشالات ... ثم الزيتون والبلح السيوى المشهور والأعشاب مثل الكركديه والنعناع الجبلى برائحته القوية الجميلة ... فى أحد تلك المحلات تعلمت كيفية ربط ال"حمودى" على الطريقة السيوية عن طريق متابعة صاحب المحل وهو يربطها ل"ميكيل" ... طول عمرى كان نفسى أفهم بيربطوها ازاااااى ... أحمدك يا رب
- فاصل : وقت كتابة هذه السطور هو بعد مرور حوالى ثلاثة شهور من هذه الأحداث ... زارنى خلالها "ميكيل" و"سيمونا" فى القاهرة مرة ثم بعدها بفترة زارتنى "سيمونا" وصديقة لها وقضوا معى 3 أيام فى بيتى زرنا خلالها الاسكندرية كذلك ... والآن ... منذ دقيقتان فقط تلقيت من "سيمونا" مكالمة طويلة من ايطاليا تخبرنى بأحوالها هناك بعد عودتها منذ أسبوعين وتسأل عن أحوالى ... نادراً ما تقابل فى حياتك ناس يمدون جسور المحبة والصداقة ولو فرقكم الزمان والمكان وحتى بدون سابق معرفة أو علاقة وثيقة ... اذا كان للسفر سبع فوائد فهذه بالتأكيد أهمها ... معرفة الناس ... صحيح ... معرفة الناس كنوز
مر بنا فى السوق "سليمان" ... المرشد اياه الذى جئت من القاهرة لمقابلته ثم اختلطت الأمور وقابلته فى المعسكر الليلة الماضية ... "مكتوب" على رأى باولو كويلهو ... كان من اللطف والكرم بحيث توقف بسيارته ليسأل عن أحوالنا واذا كنا بحاجة لأى شىء ... شكرته على ذوقه وكرمه وأكملنا الجولة فى السوق حتى مر بنا "سيد" و"لورا" ... كانوا لم يحجزوا تذاكر السوبرجيت بعد فركبنا معهم وذهبنا الى المحطة ... نزل سيد وعاد ليقول انه انتزع التذكرتين من فم الأسد انتزاعا حيث ان كل تذاكر الأتوبيس الآخير قد نفدت ... تذكرتين؟ لفت نظرهم الى اننا نحتاج الى أربعة فتذكرت "لورا" انها نسيت ان تخبر "سيد" بالتذكرتين الاضافيتين ... نزل "سيد" مرة آخر ليحاول الحصول على التذاكر فعاد وعلى وجهه الفشل بادياً ... فنزلت "لورا" لتحاول محاولة أنثوية أجنبية فعادت لتعلن عدم وجود أى تذاكر آخرى الليلة ولكنها حجزت تكرتين فى أتوبيس السابعة صباحاً ... أخبرتها بمخاوفى الا نتمكن من الاستيقاظ فى هذه الميعاد المبكر فأتت معى لنغبر التذاكر الى العاشرة صباحاً ... آخذهما منا الرجل النحيل وأعطانى النقود وقال لى "تعالى الصبح أديكى التذاكر" ... أكدت عليه "لورا" اننا سنجد تذاكر فى الصباح بالفعل فقال لنا المقولة المصرية الشهيرة فى مثل هذه المواقف : "عيييييييييب!"
تركنا مكتب السوبرجيت وتوجهنا الى منزل "سيد" ليلتقط الايطاليان امتعتهما ثم عدنا سيراً الى السوق القريب ... صعدت الى الأوتيل لاستدعى رفيقتى للعشاء والتقط بعض ما تركه الايطاليان فى غرفتنا سابقاً ثم توجهنا جميعاً الى المطعم الوحيد المتوفر فى الواحة ... مطعم عبده
مطعم عبده يقع فى منتصف ساحة السوق المربعة ويواجه فندقنا مباشرة ... هو عبارة عن ساحة أمامية مسقوفة ومدعمة بقوائم من جذوع النخيل وتتناثر تحتها حوالى اثنتى عشرة مائدة مربعة تتسع الواحدة منها لحوالى أربعة افراد ... انتقينا منها واحدة تطل على الشارع وشرعنا فى تأمل قائمة الطعام ... الأصناف كلها مصرية صميمة ... خضروات مع الأرز ... ملوخية ... مسقعة ... شكشوكة ... لكن الأخوة الطليان المهتمين بصحتهم طلبوا سلطة وخضروات فقط فى حين ان المصريين – العكاكين – أى نحن فطلبنا مكرونة فرن وبيتزا ... الحقيقة لاحظت على الايطاليين اهتمامهم بالأكل الصحى عموماً ... يأكلون الكثير من الفاكهة والزبادى ويشربون الكثير من الماء ... يارب نكون يوم مثلهم
كانت الساعة تقترب من العاشرة وحان وقت الرحيل ... رحيلهم ... مشينا معاُ حتى موقف الأتوبيس أمام مكتب السوبرجيت وكان الأتوبيس منتظراً هناك والكثير من الركلب قد اخذوا أماكنهم هناك ... ودعتهم وأنا أشعر كأننى اودع رفقاء عمر وليس معرفة يومين ... ولكن كان بيينا وعد على اللقاء مرة أخرى فى القاهرة قريباً
عدنا الى الأوتيل وأنا أجرجر قدماى من شدة التعب
لا أعرف كم من الوقت استغرقت فى النوم ... ربما ساعة أو ساعتين على الأكثر ثم استيقظت على حر شديد ... لا أعرف من اين آتت هذه الموجة الحارة فجأة ... بل والرطوبة العالية ايضاً ... ثم انى بدأت أشعر بالاختناق الشديد ... قمت وخرجت الى البلكونة ... لا أجد كرسى أجلس عليه وكنت فى شدة التعب ولا أقوى على الوقوف ... ارتديت ما تيسر فى الظلام ونزلت الى الريسيبشن ... لا أحد هناك برغم سماعى أصوات الناس فى الخارج ... بعد قليل جاء المضيف فطلبت منه كرسى فقام بحمله الى الغرفة فى الدور الثالث وانا ورائه
اخذت كتاب "واحة الغروب" اياه وجلست فى البلكونة احاول القراءة على الضوء الخفيف القادم من الشارع ... الواحة صامتة كالقبور ... لا يوجد حتى كلب فى الشارع ... بعد حوالى ربع ساعة سمعت أصوات قادمة من جهة شالى على يمين البلكونة ... وعلى الرغم من بعد المسافة الا ان سكون الليل وصمت الصحراء اتاح لى تمييز بعض الكلمات المصرية ورأيت بعض الناس يتحركون ببطء على قمة شالى ... معكم الرب يا متسلقى تلك الصخور ... آآآآه يا كتفى الممزوق ... لكن الحقيقة ان منظر شالى نفسه فى سكون الليل له روعة تفوق روعة المشهد من فوقه سابقاً ... جلست اتأمله قليلاً حتى غلبنى النعاس فدخلت الى السرير ونمت
صحوت فجأة على صوت شقشقة العصافير فى الخارج ... نظرت من نافذة البلكونة بجانبى فوجدتها تشرق ... أغرتنى فكرة مشاهدة الشروق فقمت الى البلكونة استمتع بهواء الصباح النقى بعد الليلة الرطبة الخانقة ... ثم تثاقلت الى السرير مرة اخرى وذهبت فى النوم ربما لساعة آخرى قبل ان توقظنى حركة رفيقتى فى الغرفى تلملم أشيائها ... صحوت وفعلت بالمثل ثم نزلنا الى السوق ... اشترينا بعض البلح والأعشاب والعيش السيوى من الفرن القريب لآخذه معى الى القاهرة ... كان الباقى من الزمن ساعة حتى ميعاد الأتوبيس ... جلينا فى مطعم عبده اياه من أجل الإفطار ... تحركنا مع اقتراب العاشرة الى المحطة فكان الأتوبيس مستعد
دخلت الى مكتب الحجز لآخذ التذاكر التى وعدنى اياها الرجل النحيل بالأمس فقال انها نفذت ... سألته بغضب كيف يبيع التذاكر وهو قد وعدنى بوجودها فرد بكل برود انى تأخرت وانى كان المفروض آخذها فى التاسعة وليس قبل موعد الأتوبيس بدقائق ... عبثاً حاولت حل الموقف والرجل اللعين لم يخبرنى أى شىء بالأمس عن ضرورة القدوم لشراء التذاكر فى التاسعة ... وقعنا فى مشكلة حقيقية ... كلمت "سيد" فتحدث الى الرجل اللعين فاجابه ببرود ان ليس بيده شىء وكان الأوتوبيس قد تحرك بالفعل ... وأكثر ما غاظنى ليس الموقف فى حد ذاته قدر ما هو طريقة تعامل الرجل معى وكأنه يعاقبنى على عدم علمى بقوانينه الخاصة ... ولا أفهم كيف تستمر هذه السركة اللعينة السوبرجيت فى العمل مع كل ما يتمتع به موظفوها من بلادة وتباتة ولا مبالاة لا بالمواعيد ولا بالبشر الذين من المفترض انهم يدفعون رواتبهم بل يتعاملون مع الجميع من منطلق "احنا مش خدامين أبوكم ... مش عاجبكم سافروها مشى"! سبحان الله
تركت صديقتى مع الشنط عند المحطة ومشيت الى المسجد القريب حيث تقف أمامه المكروباصات الذاهبة الى مطروح فلم أجد شىء هناك ... بالصدفة وأنا فى طريق العودة الى المحطة وأنا أحمل خفى حنين رأيت السيارة الجيب التى كانت معنا بالأمس فى المعسكر وفيها المصرى وطفليه ... كان قد تعرف علينا من قبل فحيانى من بعيد فاشرت اليه ان ينتظر ...ركن فوراَ ونزل ليستفهمفسألته ان كان عائداً الى القاهرة اليوم فقال انه عائد الى الاسكندرية الآن فأخبرته بما حدث معناً وسألته ان كان عنده مكان يسعنا فى سيارته فرحب بنا وقال انه سيقابلنا عند المطعم بعد عشر دقائق
بالفعل قابلناه هناك وكانت السيارة الآخرى للمصرى وابنته قد انضمت اليه ... كان "سيد" ايضا معهما وآخذ يمدح فى حسن حظنا
المهندس "سامى" معتاد على رحلات السفارى ... يطلع هو وولديه الصغار كل عام فى أكثر من رحلة فى مختلف المناطق فى مصر ... وهم جزء من مجموعة كبيرة تقوم معاً بهذه الرحلات بسياراتهم الخاصة وكثيرا ما يكون معهم "سيد" مع زبائنه من الأجانب أو المرتجلين من أمثالنا ... أحيانا تمتد رحلاتهم الى اسابيع متواصلة ... رحلات الى الواحات البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة وحتى اختراق بحر الرمال الأعظم ... حكى لنا الكثير والكثير عن هذه الرحلات واستعداداتها ومصاعبها ... هوايه غريبة هى ... لكن ممتعة الى أقصى درجة ... ربنا يوعدنا بعربية فور باى فور كدة وزوج طاقق يكون بيحب الحاجات دى!
وصلنا الاسكندرية مع آذان المغرب ... رحلة مرهقة استغرقت أكثر من 7 ساعات ... نزلنا عند محطة السوبرجيت ... آه من السوبرجيت اللعين ... الأتوبيس التالى يقوم فى التاسعة ... أى بعد 3 ساعات كاملة ... لا استطيع البقاء فى الشارع كل هذا الوقت ... قررت ان انزل القاهرة فوراً وبأى وسيلة ... سألت عن الميكروباصات فقادتنا أرجلنا خطأناً الى السيارات البيجو ... سألنا أحد السائقين ان كنا نريد الذهاب الى القاهرة فأجبت ان نعم ... أشار الى سيارة بيجو ستيشن فوقع قلبى فى قدمى ... هذا النوع من المواصلات كنت اسمع عنه فقط وعمرى ما تصورت ان اركبه برغبتى الحرة فى يوم من الايام ... لا يهم ... المهم ان اخذ شاور دافىء وأنام فى سريرى الليلة ... انزلقنا الى الكنبة الخلفية ثم ما لبثت السيارة ان امتلئت ... عدد من النساء والرجال ... الحمد لله على وجود النساء والا كنت تعرضت لنوبة من نوبات جنون الارتياب ... مع الشكر لمئات أفلام الرعب وأخبار الصحف القومية
لم يكذب السائق ما يقال عن هذه النوعية من السيارات من ان سائقيها يقودون كالمجانين ... عفاريت الأسفلت ... فقطع بنا المسافة من المحطة الى بوابة القاهرة فى ساعة بالظبط ... ثم قضينا ساعة آخرى أو يمكن أكثر حتى محطة رمسيس حيث كان أبى فى انتظارنا ... ما ان لامست مقعد السيارة حتى ذهبت فى ما يشبه الغيبوبة ولم أفق منها الا على يد أبى توقظنى تحت البيت ... لا أعرف حتى متى أوصلنا صديقتى الى منزلها ... صعدت الى البيت وانا منومة مغناطيسيا وارتميت على السرير ... ليس هناك أنعم ولا ادفأ من سرير الفرد بعد سفر طوييييييييييييييييييييييييييييييييييييييل
اطفوا النور بقى والباب فى ايدكوا وانتو خارجين
وصلنا الى ساحة السوق مرة آخرى ... صديقتى المصرية كانت قد بلغت الصفر من الطاقة وبدأت تصدر انات مثل الموبايل الذى فرغت بطاريته فأعلنت الانسحاب وصعدت لترتاح فى الأوتيل ... أما أنا والايطاليان فاتجهنا لتفقد شالى ... شالى هو جبل يحتوى على بقايا منازل أهل سيوة القدامى ... فهو يمثل المركز الرئيسى للواحة حيث عاش أهلها تحيطهم أشجار النخيل من جميع الجهات ... ثم كان ان نزل الأهالى وانشأوا المساكن والبيوت على أرض الواحة وبين الأشجار فتوسعت الواحة الى ما هى عليه اليوم ... وفى فترة من الزمن كان شالى يستخدم كقلعة يتحصن بها أهل الواحة من غارات الأعداء حيث كان الجبل يتيح لهم موقع مرتفع يصعب تسلقه دون التعرض لرصاص الأهالى اذا استلزم الأمر
لم نكد نسير فى الممر الجانبى أسف شالى حتى وجدنا شاب أسمر نحيل يقف على باب بيت ... قام بتحية الايطاليين وسألهم عما فعلوا اليوم ... فهمت من كلامهم معاً انه قابلهم فى منزل سيد فى الصباح حين كنت أنا فى الأوتيل
ثم انه قال انه فى غاية السعادة اليوم لأنه تلقى خبر حصوله على منحة لدراسة ماجيستير الزراعة فى ايطاليا ... لا استطيع ان أصف كل هذا النور الذى كان يطل من وجهه وابتسامته البيضاء الصافية تملأ روحه ذاتها فرحاً وسعادة ...محمد – وهذا كان اسمه - تكلم كثيراً عن استعداداته وتوقعاته ... واعطته "سيمونا" عنوانهما وتليفوناتهما فى ايطاليا اذا احتاج اليهما ... سبحان الله ... شاب سيوى صغير السن ... يعيش فى هذه البيئة الصحراوية البسيطة ... يتحدث الانجليزية بطلاقة وقدر لا بأس به من الايطالية وحاصل على بكالوريوس زراعة من جامعة الاسكندرية والآن حصل على منحة لتحضير الماجيستير فى ايطاليا ... سبحان الله! مصر فعلاً ولادة والله
ثم انه أصر ان يدعونا للشراب فى الأوتيل ... عرفنا وقتها ان ما كنا نقف ببابه هو أوتيل ... أوتيل طبيعى ... تم تأثيثه داخل حجرات ما تبقى من بيوت شالى نفسها ... أخذنا فى جولة داخل المكان ... الحجرات مختلفة الأحجام ... فهى محفورة فى حضن الجبل بطريقة طبيعية ... وتم تأثيثها بالكامل بخامات طبيعية ... فقاعدة السرير من جريد النخيل والشماعة عبارة عن حبلين يتدليان من الحائط المسقوف بجذوع الأشجار ويتصلان بقطعة من الخشب تعلق عليها الشماعات ... حتى المصباح المتدلى من منتصف الغرفة مصنوع من الأحبال المجدولة وتكلسات الملح المحفورة على شكل مكعب يحتوى على اللمبة
صعدنا الى سطح الأوتيل فكانت ساحة فى ارتفاع الدور الثانى فى عمارة متوسطة تتطل على ساحة السوق وموقف الأتوبيسات وتحتوى على عدد من المناضد والمقاعد الخشبية ... استئذنا محمد وغاب بضع دقائق ثم عاد ومعه أكواب الكركديه المثلج المزود بالنعناع ووقف يشرح لنا بعض المعلومات عن شالى ومساكنها ... شكرناه على حسن ضيافته وتمنى له كل التوفيق فى دراسته ثم انتلقنا الى الشارع مرة آخرى
كنا نريد الذهاب الى عين فطناس ... وهى آخر المعالم الرئيسية فى جدولنا وعلى بعد حوالى 4 كيلومترات آخرى خارج الواحة ... كان الوقت يدنو من المغرب فاضطررنا الى الغاء الفكرة والاكتفاء بالتسوق ... خصوصاً انهما قررا الرحيل الى القاهرة الليلة ... "سيمونا" هاتفت "لورا" وطلبت منها حجز تذكرتين فى السوبرجيت الى مرسى مطروح الليلة ... فكرت قليلا ووجدت انه من الأفضل لو رحلنا معهما ايضاً لأننا سنرح فى الصباح على كل الحال فلا داعى للمبيت الليلة والذهاب بصحبتهما سيكون أكثر أماناً ... هكذا طلبت من "سيمونا" ان تكلم "لورا" مرة آخرى وتضيف تذكرتين اضافيتين
الآن حان وقت الصعود الى شالى ... كان الليل قد خيم والجبل يعكس ظلال صفراء تلقيها "سبوتات" اضاءة تم زرعها فى أماكن متفرقة من الجبل لمساعدة الصاعدين اليه ... كان الصعود صعباً بالنسبة لمعدومة اللياقة مثلى ... خصوصاً مع عدم انتظام الأحجار ووعورتها ... كنت أخشى مع كل خطوة ان يختل توازنى ... واختلال التوازن هنا وخصوصاُ مع اقتربنا من القمة لا يعنى سوى شىء واحد ... ان تزل قدمى واسقط فيدق عنقى على الفور ... الموضوع مش هزار ... الجيم فور العودة الى القاهرة .... حتمااااااً ولااااااااااابد
المشهد من فوق شالى غاية فى الروعة ... الصخور المنيرة بالانعكاسات الصفراء تحتنا ثم كل نقاط الضوء اللامعة فى منتصف الواحة والمتناثرة بين أشجارها على مرمى البصر ... ثم أذن المؤذن لصلاة العشاء ... أول أذان اسمعه بوضوح و كان لسماعه سحر عجيب فى هذا الجو العام
نزلنا ولله الحمد بلا اى خسائر تذكر سوى مزق خفيف فى كتفى اليمين نتيجة تشبثى بصخرة عالية وتحميلى عليه لجذب جسدى الثقيل الى الأعلى
عبرنا الشارع فأعدت دراجتى الى صاحبها وانطلقنا فى جولة حرة فى السوق ... معظم المعروضات تتكون من المصنوعات اليدوية من الكليم والوسائد الصوفية والشالات ... ثم الزيتون والبلح السيوى المشهور والأعشاب مثل الكركديه والنعناع الجبلى برائحته القوية الجميلة ... فى أحد تلك المحلات تعلمت كيفية ربط ال"حمودى" على الطريقة السيوية عن طريق متابعة صاحب المحل وهو يربطها ل"ميكيل" ... طول عمرى كان نفسى أفهم بيربطوها ازاااااى ... أحمدك يا رب
- فاصل : وقت كتابة هذه السطور هو بعد مرور حوالى ثلاثة شهور من هذه الأحداث ... زارنى خلالها "ميكيل" و"سيمونا" فى القاهرة مرة ثم بعدها بفترة زارتنى "سيمونا" وصديقة لها وقضوا معى 3 أيام فى بيتى زرنا خلالها الاسكندرية كذلك ... والآن ... منذ دقيقتان فقط تلقيت من "سيمونا" مكالمة طويلة من ايطاليا تخبرنى بأحوالها هناك بعد عودتها منذ أسبوعين وتسأل عن أحوالى ... نادراً ما تقابل فى حياتك ناس يمدون جسور المحبة والصداقة ولو فرقكم الزمان والمكان وحتى بدون سابق معرفة أو علاقة وثيقة ... اذا كان للسفر سبع فوائد فهذه بالتأكيد أهمها ... معرفة الناس ... صحيح ... معرفة الناس كنوز
مر بنا فى السوق "سليمان" ... المرشد اياه الذى جئت من القاهرة لمقابلته ثم اختلطت الأمور وقابلته فى المعسكر الليلة الماضية ... "مكتوب" على رأى باولو كويلهو ... كان من اللطف والكرم بحيث توقف بسيارته ليسأل عن أحوالنا واذا كنا بحاجة لأى شىء ... شكرته على ذوقه وكرمه وأكملنا الجولة فى السوق حتى مر بنا "سيد" و"لورا" ... كانوا لم يحجزوا تذاكر السوبرجيت بعد فركبنا معهم وذهبنا الى المحطة ... نزل سيد وعاد ليقول انه انتزع التذكرتين من فم الأسد انتزاعا حيث ان كل تذاكر الأتوبيس الآخير قد نفدت ... تذكرتين؟ لفت نظرهم الى اننا نحتاج الى أربعة فتذكرت "لورا" انها نسيت ان تخبر "سيد" بالتذكرتين الاضافيتين ... نزل "سيد" مرة آخر ليحاول الحصول على التذاكر فعاد وعلى وجهه الفشل بادياً ... فنزلت "لورا" لتحاول محاولة أنثوية أجنبية فعادت لتعلن عدم وجود أى تذاكر آخرى الليلة ولكنها حجزت تكرتين فى أتوبيس السابعة صباحاً ... أخبرتها بمخاوفى الا نتمكن من الاستيقاظ فى هذه الميعاد المبكر فأتت معى لنغبر التذاكر الى العاشرة صباحاً ... آخذهما منا الرجل النحيل وأعطانى النقود وقال لى "تعالى الصبح أديكى التذاكر" ... أكدت عليه "لورا" اننا سنجد تذاكر فى الصباح بالفعل فقال لنا المقولة المصرية الشهيرة فى مثل هذه المواقف : "عيييييييييب!"
تركنا مكتب السوبرجيت وتوجهنا الى منزل "سيد" ليلتقط الايطاليان امتعتهما ثم عدنا سيراً الى السوق القريب ... صعدت الى الأوتيل لاستدعى رفيقتى للعشاء والتقط بعض ما تركه الايطاليان فى غرفتنا سابقاً ثم توجهنا جميعاً الى المطعم الوحيد المتوفر فى الواحة ... مطعم عبده
مطعم عبده يقع فى منتصف ساحة السوق المربعة ويواجه فندقنا مباشرة ... هو عبارة عن ساحة أمامية مسقوفة ومدعمة بقوائم من جذوع النخيل وتتناثر تحتها حوالى اثنتى عشرة مائدة مربعة تتسع الواحدة منها لحوالى أربعة افراد ... انتقينا منها واحدة تطل على الشارع وشرعنا فى تأمل قائمة الطعام ... الأصناف كلها مصرية صميمة ... خضروات مع الأرز ... ملوخية ... مسقعة ... شكشوكة ... لكن الأخوة الطليان المهتمين بصحتهم طلبوا سلطة وخضروات فقط فى حين ان المصريين – العكاكين – أى نحن فطلبنا مكرونة فرن وبيتزا ... الحقيقة لاحظت على الايطاليين اهتمامهم بالأكل الصحى عموماً ... يأكلون الكثير من الفاكهة والزبادى ويشربون الكثير من الماء ... يارب نكون يوم مثلهم
كانت الساعة تقترب من العاشرة وحان وقت الرحيل ... رحيلهم ... مشينا معاُ حتى موقف الأتوبيس أمام مكتب السوبرجيت وكان الأتوبيس منتظراً هناك والكثير من الركلب قد اخذوا أماكنهم هناك ... ودعتهم وأنا أشعر كأننى اودع رفقاء عمر وليس معرفة يومين ... ولكن كان بيينا وعد على اللقاء مرة أخرى فى القاهرة قريباً
عدنا الى الأوتيل وأنا أجرجر قدماى من شدة التعب
لا أعرف كم من الوقت استغرقت فى النوم ... ربما ساعة أو ساعتين على الأكثر ثم استيقظت على حر شديد ... لا أعرف من اين آتت هذه الموجة الحارة فجأة ... بل والرطوبة العالية ايضاً ... ثم انى بدأت أشعر بالاختناق الشديد ... قمت وخرجت الى البلكونة ... لا أجد كرسى أجلس عليه وكنت فى شدة التعب ولا أقوى على الوقوف ... ارتديت ما تيسر فى الظلام ونزلت الى الريسيبشن ... لا أحد هناك برغم سماعى أصوات الناس فى الخارج ... بعد قليل جاء المضيف فطلبت منه كرسى فقام بحمله الى الغرفة فى الدور الثالث وانا ورائه
اخذت كتاب "واحة الغروب" اياه وجلست فى البلكونة احاول القراءة على الضوء الخفيف القادم من الشارع ... الواحة صامتة كالقبور ... لا يوجد حتى كلب فى الشارع ... بعد حوالى ربع ساعة سمعت أصوات قادمة من جهة شالى على يمين البلكونة ... وعلى الرغم من بعد المسافة الا ان سكون الليل وصمت الصحراء اتاح لى تمييز بعض الكلمات المصرية ورأيت بعض الناس يتحركون ببطء على قمة شالى ... معكم الرب يا متسلقى تلك الصخور ... آآآآه يا كتفى الممزوق ... لكن الحقيقة ان منظر شالى نفسه فى سكون الليل له روعة تفوق روعة المشهد من فوقه سابقاً ... جلست اتأمله قليلاً حتى غلبنى النعاس فدخلت الى السرير ونمت
صحوت فجأة على صوت شقشقة العصافير فى الخارج ... نظرت من نافذة البلكونة بجانبى فوجدتها تشرق ... أغرتنى فكرة مشاهدة الشروق فقمت الى البلكونة استمتع بهواء الصباح النقى بعد الليلة الرطبة الخانقة ... ثم تثاقلت الى السرير مرة اخرى وذهبت فى النوم ربما لساعة آخرى قبل ان توقظنى حركة رفيقتى فى الغرفى تلملم أشيائها ... صحوت وفعلت بالمثل ثم نزلنا الى السوق ... اشترينا بعض البلح والأعشاب والعيش السيوى من الفرن القريب لآخذه معى الى القاهرة ... كان الباقى من الزمن ساعة حتى ميعاد الأتوبيس ... جلينا فى مطعم عبده اياه من أجل الإفطار ... تحركنا مع اقتراب العاشرة الى المحطة فكان الأتوبيس مستعد
دخلت الى مكتب الحجز لآخذ التذاكر التى وعدنى اياها الرجل النحيل بالأمس فقال انها نفذت ... سألته بغضب كيف يبيع التذاكر وهو قد وعدنى بوجودها فرد بكل برود انى تأخرت وانى كان المفروض آخذها فى التاسعة وليس قبل موعد الأتوبيس بدقائق ... عبثاً حاولت حل الموقف والرجل اللعين لم يخبرنى أى شىء بالأمس عن ضرورة القدوم لشراء التذاكر فى التاسعة ... وقعنا فى مشكلة حقيقية ... كلمت "سيد" فتحدث الى الرجل اللعين فاجابه ببرود ان ليس بيده شىء وكان الأوتوبيس قد تحرك بالفعل ... وأكثر ما غاظنى ليس الموقف فى حد ذاته قدر ما هو طريقة تعامل الرجل معى وكأنه يعاقبنى على عدم علمى بقوانينه الخاصة ... ولا أفهم كيف تستمر هذه السركة اللعينة السوبرجيت فى العمل مع كل ما يتمتع به موظفوها من بلادة وتباتة ولا مبالاة لا بالمواعيد ولا بالبشر الذين من المفترض انهم يدفعون رواتبهم بل يتعاملون مع الجميع من منطلق "احنا مش خدامين أبوكم ... مش عاجبكم سافروها مشى"! سبحان الله
تركت صديقتى مع الشنط عند المحطة ومشيت الى المسجد القريب حيث تقف أمامه المكروباصات الذاهبة الى مطروح فلم أجد شىء هناك ... بالصدفة وأنا فى طريق العودة الى المحطة وأنا أحمل خفى حنين رأيت السيارة الجيب التى كانت معنا بالأمس فى المعسكر وفيها المصرى وطفليه ... كان قد تعرف علينا من قبل فحيانى من بعيد فاشرت اليه ان ينتظر ...ركن فوراَ ونزل ليستفهمفسألته ان كان عائداً الى القاهرة اليوم فقال انه عائد الى الاسكندرية الآن فأخبرته بما حدث معناً وسألته ان كان عنده مكان يسعنا فى سيارته فرحب بنا وقال انه سيقابلنا عند المطعم بعد عشر دقائق
بالفعل قابلناه هناك وكانت السيارة الآخرى للمصرى وابنته قد انضمت اليه ... كان "سيد" ايضا معهما وآخذ يمدح فى حسن حظنا
المهندس "سامى" معتاد على رحلات السفارى ... يطلع هو وولديه الصغار كل عام فى أكثر من رحلة فى مختلف المناطق فى مصر ... وهم جزء من مجموعة كبيرة تقوم معاً بهذه الرحلات بسياراتهم الخاصة وكثيرا ما يكون معهم "سيد" مع زبائنه من الأجانب أو المرتجلين من أمثالنا ... أحيانا تمتد رحلاتهم الى اسابيع متواصلة ... رحلات الى الواحات البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة وحتى اختراق بحر الرمال الأعظم ... حكى لنا الكثير والكثير عن هذه الرحلات واستعداداتها ومصاعبها ... هوايه غريبة هى ... لكن ممتعة الى أقصى درجة ... ربنا يوعدنا بعربية فور باى فور كدة وزوج طاقق يكون بيحب الحاجات دى!
وصلنا الاسكندرية مع آذان المغرب ... رحلة مرهقة استغرقت أكثر من 7 ساعات ... نزلنا عند محطة السوبرجيت ... آه من السوبرجيت اللعين ... الأتوبيس التالى يقوم فى التاسعة ... أى بعد 3 ساعات كاملة ... لا استطيع البقاء فى الشارع كل هذا الوقت ... قررت ان انزل القاهرة فوراً وبأى وسيلة ... سألت عن الميكروباصات فقادتنا أرجلنا خطأناً الى السيارات البيجو ... سألنا أحد السائقين ان كنا نريد الذهاب الى القاهرة فأجبت ان نعم ... أشار الى سيارة بيجو ستيشن فوقع قلبى فى قدمى ... هذا النوع من المواصلات كنت اسمع عنه فقط وعمرى ما تصورت ان اركبه برغبتى الحرة فى يوم من الايام ... لا يهم ... المهم ان اخذ شاور دافىء وأنام فى سريرى الليلة ... انزلقنا الى الكنبة الخلفية ثم ما لبثت السيارة ان امتلئت ... عدد من النساء والرجال ... الحمد لله على وجود النساء والا كنت تعرضت لنوبة من نوبات جنون الارتياب ... مع الشكر لمئات أفلام الرعب وأخبار الصحف القومية
لم يكذب السائق ما يقال عن هذه النوعية من السيارات من ان سائقيها يقودون كالمجانين ... عفاريت الأسفلت ... فقطع بنا المسافة من المحطة الى بوابة القاهرة فى ساعة بالظبط ... ثم قضينا ساعة آخرى أو يمكن أكثر حتى محطة رمسيس حيث كان أبى فى انتظارنا ... ما ان لامست مقعد السيارة حتى ذهبت فى ما يشبه الغيبوبة ولم أفق منها الا على يد أبى توقظنى تحت البيت ... لا أعرف حتى متى أوصلنا صديقتى الى منزلها ... صعدت الى البيت وانا منومة مغناطيسيا وارتميت على السرير ... ليس هناك أنعم ولا ادفأ من سرير الفرد بعد سفر طوييييييييييييييييييييييييييييييييييييييل
اطفوا النور بقى والباب فى ايدكوا وانتو خارجين