الزمان: الحادية عشر مساء ليلة العيد فى الثانى عشر من أكتوبر
المكان: أتوبيس غرب الدلتا المتحرك من مجطة ألماظة
الهدف: محافظة مطروح ومنها إلى سيوة
كل الناس سافرت ليلة الخميس أو صباح الجمعة – باعتبار ان يوم الجمعة أجازة – أوستسافر غدا السبت بعد قضاء أول يوم العيد بالقاهرة ... أما أنا فمنعتنى ظروف عملى حتى وقت الافطار يوم الجمعة من بدأ الرحلة مبكرا
المسافة الى مطروح تستغرق حوالى 6 ساعات قضيتها ما بين الدردشة مع رفيقتى من العمل التى قررت ان تصاحبنى فى الرحلة بعد ان تخلف معظم من انتووا المشاركة بسبب ظروف العمل وبين محاولات فاشلة للنوم برغم النعاس الذى يملأ جفونى... قضيت آخر ساعتين من الرحلة أستمع الى أغانى هندية على هاتفى المحمول بينما أراقب الطريق المظلم اللا نهائى من موقعى فى الكرسى الأول ... سكون الليل وأنغام الموسيقى الهندية مزيج عجيب ساحر ... الموسيقى هى واحدة من لغتين يفهمها كل البشر باختلاف اللأجناس والثقافات ... لغة الموسيقى ولغة الاشارات
وصلنا مطروح مع بداية تكبيرات العيد ولسعة برد الفجر تتغلغل فى أوصالى فأشعر بانتعاشة تنفض احساس النعاس الذى لازمنى طوال الليل
دخلنا الى كافيتريا المحطة ... محطة الأتوبيسات الجديدة التى تقع خارج مطروح ... زمان حين اعتدنا القدوم اليها كل عام فى صغرى كانت المحطة فى وسط المدينة حيث السوق الرئيسى بشارع الأسكندرية ... سألت على الأتوبيس المتوجه إلى سيوة فقيل لى أنه يأتى فى السابعة ويتحرك فى السابعة والنصف ... أمامنا أكثر من ساعة اذن
طلبت كوب من الشاى فجاءنى الكوب الزجاجى الذى ترى فى قعره ختم المصنع اياه مع ملعقة السكر الألمنيوم ... آه من رفاهية المدينة القميئة ... مج الكافيه لاتيه من "كوستا" أو "سلنترو" فى "سيتى ستارز" يبدو كخيال علمى هنا
تكبيرات العيد تترد من الجامع القريب ومن التلفزيون عالى الصوت بالكافيتريا ... بدأ الناس يتوافدون على المحطة مع شروق الشمس ... هناك شاب أجنبى يجلس وحيداً على أحد مقاعد المحطة الحجرية وقدرت أن وجهته سيوة ايضاً
بحلول السابعة توجهت الى مكتب الحجز فوجدت تجمع صغير من الشاب الأجنبى ورجل مصرى ثم شاب وفتاة يتحدثان لغة ما قدرت انها أسبانية ثم شاب وفتاة مصريان يبدو انهما حديثا الزواج ... عرفت ان أتوبيس السابعة تم الغاؤه والحل الوحيد هو ايجار سيارة خاصة أو ميكروباص أو انتظار الأتوبيس التالى فى الواحدة ظهراً
مع وقفتنا هذه أتى الينا سائق تاكسى يعرض علينا آخذنا الى سيوة ب 250 جنيه للأربع أفراد ... طبعاً كان استغلال فرفضنا ... ثم آتى سائق آخر وعرض 170 جنيه ... وافقنا لكن السائق الأول سحبه على جنب وتحدث معه لبضع لحظات انصرف بعدها السائق الثانى فى حين ظل الأول يحوم حولنا منتظراً قرارنا ... وكان قرارنا ان ننزل الى وسط المدينة بمطروح علنا نجد "توصيلة" الى سيوة فإن لم يكن فعلى الأقل سنتجول فى المدينة بدلاً من الانتظار حتى الواحدة فى المحطة ... الزوجان المصريان والأجنبى قررا البقاء ومحاولة ايجاد وسيلة آخرى
أوقفنا تاكسى مع الشاب والفتاة اللذان عرفت انى اخطأت التعرف على لغتهما وانهما ايطاليان ... لم أخطأ كثيراً اذن فالتشابه بين الايطالية والاسبانية كبير ... ركبنا التاكسى مع السائق الثانى اياه فسألنا ان كنا مازلنا نريد الذهاب الى سيوة فاتفقنا على نفس السعر 170 مقسمة على 4 ... سألناه ان كان هناك سيارة أخرى لبقية الناس الذين تركناهم فى المحطة فاتصل بصديق له ليجهز سيارته ويقابلنا ... غير اننا كلمنا الفتاة المصرية فقالت ان الشاب الأجنبى رحل مع التاكسى الأول وانها هى وزوجها وجدا ميكروباس مع ناس آخرين ... انتهى الأمر اذن وانطلقنا إلى سيوة
رفيقا الرحلة "سيمونا" و"ميكيل" ايطاليان ... هو من "روما" وهى من "تورينو" ... هى تعيش بمحافظة "سوهاج" منذ عدة أشهر للعمل على رسالة ماجيستير تعدها عن البيئة – تقريباً ... وهو فى زيارة قصيرة لمصر
كنت أجلس فى المقعد الأمامى بجانب السائق ... أشاهد الرمال الصفراء ممتدة على جانبى الطريق ... فقط طريق أسفلتى يبدو كخط رمادى رفيع وسط مساحة شاسعة من الصفار ... من حين إلى آخر نرى بعض الجمال تسير هائمة بلا صاحب فى وسط الصحراء ... قال لى "محمد" السائق انها تنطلق فى رحلات بالأسابيع وربما الشهور ... ربما تصل فى سيرها الى السودان ثم تعود إلى أصحابها مرة آخرى ... تعرف الطريق جيداً فلا تحتاج إلى طريق أسفلتى أو سائق أو دليل مثلنا ... أنا اتوه حتى فى المعادى برغم زياراتى المتكررة لها!!
المسافة من مطروح إلى سيوة تستغرق ما بين ثلاثة ساعات ونصف إلى أربع ...بعد انقضاء نصف المسافة تقريباً توقفنا قليلاً فى الطريق عند استراحة بدائية ... بها حمام أخبرنى خارجه عن داخله فامتنعت عنه ... ومسجد صغير يقف وحيداً على بعد أمتار قليلة بجانب مبنى الاستراحة ... قال لنا "محمد" أن أمامنا نصف ساعة ينام فيهم قليلاً ثم نستكمل المشوار ... نزلنا نتجول قليلاً فى المكان الخالى نحرك عضلات أرجلنا المتيبسة من طول الجلوس ... تناولنا بعض السندويتشات التى كنت قد قمت بتحضيرها فى القاهرة من أجل الرحلة وعزمت بالطبع على السائق والزوجين أخرج "ميكيل" ثمرة "قشطة" كبيرة وسكينة ... تأملت الثمرة الغريبة عنى ... تبدو مثل ثمرة مانجو طلع لها حبوب فى وشها ... أعطانيها لأقطعها فشققتها الى نصفين ثم شققت كل نصف الى شقين وآخذنا كل واحد قطعة ... قام "ميكيل" بجمع البذور البنية الكبيرة مننا ووضعها فى جيبه ... غالباً لزراعتها ... عرفت بعدها أنه درس الزراعة بايطاليا ... لاحقا قال انه دكتور زراعة ... لكنى غير متأكدة من هذه المعلومة لأنه كان دائم الهزار فلا تعرف له جد من هزل
لم يتمكن "محمد" من النوم بسبب كثرة الذباب ... ذباب عرفته جيداً فى مطروح ... لنا عشرة طويلة مؤسفة معاً حين كنا نقضى 10 أيام كل صيف فى معسكر بمطروح ... كنا نرش علبة بيرسول كل بضع ساعات ... لكن لا شىء يوثر فى هذا الذباب المفترس ... حتى كنا نتمنى لو نرش "أنفسنا" بالبيرسول حتى لا يلتصق باجسامنا هكذا ... الذباب فى القاهرة لو قمت ب"هشه" يطير بعيداً على الفور ... أما هذا فكلا البتة ... يلتصق بك فى حضن مميت ... قد تلمسه حتى بيدك ولا يتحرك ...ويبدو ان "محمد" قد راق للذباب فانقض عليه حيث كان قد فرد كرسيه ونام داخل السيارة مغطياُ وجهه بفوطة صفراء ... شاهدته يقوم كل بضع دقائق فيهش الذباب عنه بالفوطة فى غل حتى فقد الأمل تماماً بعد ربع ساعة ونادانا للتحرك
الآن أمسك فى يدى رواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر ... كنت قد سمعت عنها قبل السفر بفترة فقمت بشراءها قبل سفرى بيومين ... وجدتها فرصة لطيفة ان أقرأ روايه تدور أحداثها فى سيوة وأنا فى نفس موقع الأحداث ... بالطبع الأحداث تدور قبل قرنين من الزمان أيام الاحتلال الانجليزى ... بالصدفة العجيبة أنه على بعد حوالى 150 كيلو من الواحة كنت أنا فى هذه الصفحة من الروايه التى تقرأ الآتى: "تشق القافلة طريقها نحو الغرب فى الصحراء فتقترب من الواحة يوماً بعد يوم. أشتاق حقاً إلى الوصول إليها. كل شىء فيها كالأساطير. المكان والناس والتاريخ والجغرافيا. هى كما قرأت جزء قديم من البحر ومازالت هناك حتى الآن فى رمالها وتلالها أصداف البحر وقواقعه. سكانها ينتمون للغرب لا للشرق, إلى قبيلة زناتة من قبائل البربر فى المغرب ويتكلمون لهجة من لغة البربر. لكنها فى الزمن القديم كانت جزءاً من مصر الفراعنة ومركزاً لعبادة إلههم الأكبر آمون. وهناك أسطورة الأربعين شخصاً الذين هجروا قرية أغورمى المليئة بآثار القدامى ليبنوا فى الغرب منها وسط الصحراء الفسيحة مدينتهم الحالية ويحيطوها بالأسوار" ... وكما قامت "كاثرين" بطلة الروايه بآداء الواجب كما يقولون وقرأت عن سيوة قبل زيارتها ... قمت كعادتى قبل أى سفر باستطلاع بعض المعلومات عن الواحة عن طريق الانترنت وكتاب "توريست جايد" عندى ... انظر إلى الصحراء الشاسعة الممتدة بلا نهاية على مرمى البصر وأتذكر كل أفلام الصحراء التى شاهدتها من أول "عمر المختار" و"لورنس العرب" وحتى "المومياء" و"السهم الذهبى" وكل الروايات من أول "كنوز الملك سليمان" وحتى رواية "الكيميائى" لباولو كويلو ... أتسائل كيف كانت القوافل تقطع كل هذه المسافات الشاسعة سيراً على الأقدام أو على ظهور الجمال؟ ... كيف تعرف طريقها وسط بحر متلاطم من الرمال الناعمة والتلال والكثبان؟
قطع أفكارى صوت صفعات متتالية من السائق على رجله اليسرى فى حركة متوترة ... فكرت أنه يساعد نفسه على التنبه وعدم النوم ... تأكدت حين تكرر الصفعات والخبطات على رجله وعلى عجلة القيادة أمامه ... سألته سؤال عابر عن سيوة وان كان قد زارها من قبل ... فانطلق كمن كان ينتظر أى كلمة لبدأ الحديث ... تعلمت من السفر كثيراً مع أبى فى صغرى ان الجالس بجوار السائق عليه مسؤلية متابعته وتسليته بالحديث حتى لا يغفو مع رتابة الطريق والسكون ... تبادلنا الحديث حول موضوعات كثيرة ... عرفت منه أنه يحمل ليسانس آداب قسم اجتماع ويعمل بالشركة المصرية للاتصالات ولكنه اشترى التاكسى لزيادة دخله القليل ... تكلمنا عن حقول الألغام فى العلمين وكيف انه خلال الحرب العالمية تقدم الجيش الايطالى داخل الصحراء الغربية عن طريق ليبيا وتقم الجيش الألمانى قادماً من الشمال عن طريق البحر المتوسط ليتخذا معسكراتهم حول منطقة العلمين وحتى مطروح وبعض الأجزاء قرب سيوة ... وقام كل فريق بزرع الألغام أمامه حتى يعوق تقدم الفريق الآخر فكانت النتيجة هى ما ندفع نحن ثمنه الآن حيث ان جزء كبير من هذه الصحراء معطل بدون أى خطط للتطوير أو العمران أو حتى مد الطرق بسبب حقول الألغام هذه
امتد الحديث حتى وصلنا الى مشارف سيوة
كانت الساعة قد بلغت الثانية عشر ظهراً تقريباً ... كان أول ما رأيت هو بعض البيوت الطوبية والنخيل المترامى بينها ... ثم ظهر فجأة على يسارنا جبل متوسط الارتفاع عرفه لنا "محمد" ب"جبل الموتى" ... كنت قد قرأت عنه أنه سمى كذلك لأنه كان يستخدم لدفن الموتى منذ زمن الفراعنة ... حتى ان بعض مقابره تحتوى على نقوش فرعونية كالتى رأيتها فى مقابر وادى الملوك فى الأقصر
كنت قد أخذت رقم هاتف أحد المرشدين "تور جايد" من زميل لى بالعمل كان قد قام بنفس الرحلة فى العام الماضى مع نفس المرشد. كلمت "سليمان" المرشد هذا من القاهرة وأخبرته بقدومنا وبرغبتنا فى القيام برحلة سفارى حتى يقوم بالترتيبات ... الا اننا فى الطريق كانت "سيمونا" على اتصال بصديقة لها ايطالية تدعى "لورا" وقالت انها سترسل زوجها وهو مرشد سياحى سيوى لاستقبالنا ... فأرجئت الاتصال ب"سليمان" حتى نستقر فى أحد الفنادق على الأقل
بالفعل وصلنا الى ساحة السوق وهو يعتبر مركزالمدينة فوجدنا "سيد" المرشد فى استقبالنا ... سألناه عن برنامج اليوم والأسعار فخيرنا بين القيام برحلة السفارى اليوم أو مشاهدة المزارات السياحية الداخلية ثم القيام بالسفارى فى الغد ولكنه قال انه يفضل ان نذهب اليوم لأن غداً ثانى أيام العيد وهو يتوقع العديد من الزائرين وقد لا يجد لنا مكان فى السيارات ... وافقنا على القيام بالسفارى واتفقنا على السعر وهو 500 جنيه للسيارة ... أى 125 جنيه للفرد زائد خمسة جنيهات من أجل تصريح الرحلة لنا المصريين وأربعون جنيهاً للأجانب ... فالقانون هنا ان يسلم المسافرين بطاقاتهم فى الأمن من أجل استخراج تصريح بالخروج إلى الصحراء ليوم واحد حيث يخافون من التسللات الى ليبيا التى تقع حدودها على بعد 30 كيلو فقط من سيوة
آخذنا "سيد" فى سيارته الجيب الى فندق يدعى "سفارى بارادايس" من أجل دخول الحمام والاغتسال ... غريبة هى هذه البلدة ... صدمت للوهلة الأولى من البيوت وال"مدقات" – الطرق الغير ممهدة بين البيوت – التى تجعلها بلدة فى الأرياف وتسألت بقلق بينى وبين نفسى كيف سأتحمل قضاء ليلة واحدة هنا ... لقد آتيت للاستمتاع وما المتعة فى هذه الأرياف؟ أقطعت 900 كم من أجل بلدة لا تفرق كثيراً عن بلدتى فى المنوفية التى تبعد ساعة ونصف فقط من القاهرة؟ ... كتمت قلقى وتأففى وتصبرت بجمال الفندق الذى كنا فيه ... كنا بقاعة استراحة مبلطة بسيراميك جديد لامع ومفروشة على الطرتز العربى حيث تنتشر قطع الكليم الأحمر المزركش تغطى الأرض وتزين بعض الحوائط هذا الى جانب الديكورات المستوحاة من البيئة المحلية حتى أن جزء منها كان "نخلة" حقيقية تنمو بطرف القاعة وتخترق السقف
بعد 10 دقائق ركبنا السيارة مرة أخرى وتوجهنا إلى بيت عائلة "سيد" حيث سنتناول وجبة الغذاء فى لفتة لا يحصل عليها الكثيرين حيث نتناول الغذاء المحلى فى بيت سيوى أصلى ... قابلنا على مدخل الساحة الأمامية للمنزل "لورا" زوجة "سيد" ... فتاة ايطالية جميلة فى أواخر العشرينات أو لعلها أوائل الثلاثينات ... تعجبنا كلنا من المزيج العجيب بينها وبين زوجها السيوى بجلابيته البيضاء والعقال الأحمر على رأسه – يسمونه "حمودى" ويقوم السيويون بربطه بطريقة معينة لتصير مثل العمامة الصعيدية على الرأس ولكن يتدلى منها طرف طويل خلف الرأس
وصل معنا فى نفس الوقت تقريباً مجموعة أخرى من السياح تتكون من 6 يونانيين – جريج – ومعهم سائق مصرى كبير السن يدعى "محمد" ايضاً ... دخلنا ساحة المنزل ... أرض مفروشة بالكليم – خلعنا جميعاً أحذيتنا بالخارج – وهناك وسائد للجلوس وآخرى للظهر مرصوصة فى مربع كامل بمحاذاة جدران الحجرة كلها ... جلسنا نحن الأربعة وأمامنا جلست المجموعة اليونانية وبيينا طاولات خشبية متلاصقة لتكون مائدة واحدة بارتفاع لا يتعدى 30 سم عن الأرض مثل "الطبلية" ... تعرفنا سريعاً وتبادلنا الأسئلة المعتادة عن مدة الاقامة من مصر ومكان المعيشة ... هم كلهم يعملون فى المدرسة اليونانية بمصر الجديدة ويسكنون هناك ... اساميهم صعبة ... يونانية كما يجب ان تكون ... وجوههم كأنها خرجت من فيلم "المولد" لعادل أمام ... "خريستوس" بشعره الأسود الطويل المعقوص الى الخلف وملامحه القريبة من المصريين يتجدث العربية الفصحى بطلاقة ولكن انجليزيته ضعيفة مقارنة برفيقتهم "خاراو" التى كانت أحسنهم فى الانجليزية ... تشارك "خريستو" فى ضعف الانجليزية زوجته "جوى" ويشاركه فى اللغة العربية الجيدة "ستاماتوس" ... وهذا الأخير لقى نصيباً من "التريقة" على اسمه حين حاولت تذكره ففشلت ثم قلت انى سأكتفى بمناداته "ستاما" ... فانطلقوا جميعا ينادونه "ستاماتوس" "توماتوس" – طماطم – "بوتاتوس" – بطاطس ... زوجته هى ألطفهم معشراُ وتدعى "فولا" ... بقى من المجموعة إمرأة تدعى "تيريزا" لم يحدث ان احتكيت بها اطلاقا طوال الرحلة
جاء الطعام وقام "سيد" برص الأطباق أمامنا بمساعدة "لورا" التى جلست بجانبنا فى النهاية وشرع الجميع فى الأكل ... أرز أبيض مختلف قليلا عما نعده نحن فى القاهرة ... بامية لا بأس بطعمها اطلاقا رغم انها ليست طبقى المفضل ولكن يبدو ان الجوع يصنع المعجزات ... شكشوكة بالبيض واللحم والطماطم لم يسبق لى ان رأيتها فى حياتى ويبدو انها غلطة أمى التى لم يسبق ان اعدتها لنا من قبل ... عموما بدا الخليط مؤلماً لنظرى فأشفقت على معدتى من أكله فامتنعت عنه ... امتنعت ايضا عن الفراخ لعدم رغبتى فيها لا أكثر ... أما ألذ ما استطعمت كانت شوربة الخضار والعيش السيوى المخبوز بالمنزل
انتهينا من الطعام سريعاً ... ربما فى أقل من ثلث الساعة ... وكان "سيد" قد بدأ فى اعداد الشاى على سخان صغير بطرف الحجرة ... دارت أكواب الشاى الصغيرة علينا ... الدور الأول كان الشاى الثقيل ... شاى "علقم" كما يقولون ... أنا دائمة الشجار مع أمى لأنها تعد الشاى ثقيلاً وأنا لا أشرب سوى شاى خفيف جداً لأن المنبهات توترنى ... ولكنى اعتذرت لأمى فى سرى وأنا أمد يدى بالكوب الفارغ فى ذلك المجلس فى سيوة ... فما شربته كان المرارة فى حد ذاتها ... والكوب صغير جداً يشرب على مرة أو مرتين فقط لا أكثر ... مثل "شوت" الويسكى ... ومش بعيد يكون له نفس التأثير والله! ... دار بعد ذلك دور الشاى الخفيف وهو لا خفيف ولا حاجة بل هو فى ثقل شاى أمى لكن بعد ال"شوت" الأولانى اياه لو شربت "زفت" فى كوب لما شعرت بشىء ... لكنه بالنعناع الجبلى ذو الرائحة النفاذة الجميلة والطعم القوى ... انضممت فى هذه الاثناء فى حوار مع "لورا" ... عرفت انها تعيش فى مصر منذ سنة بعضها فى القاهرة وبعضها فى سيوة وقبلها عاشت فى لبنان ... كانت تدير مشروع لتطوير سيوة اسمه "مشروع شالى" باشراف احدى المنظمات الايطالية من اجل الحفاظ على الثقافة السيوية وتنمية البيئة فى المنطقة والتسويق السياحى لها ولمصنوعاتها المحلية ... هى من الشخصيات التى تتحدث اليك فتعطيك كل اهتمامها لكنك تشعر فى نفس الوقت ان ذهنها يفكر فى مليون شىء بشكل متوازى دون ان تحول نظرها عنك أو تشرد بحديثها عن موضوعكما ... بعدها انضممت فى حوار مع "خاراو" و"فولا" عن كيفية قيامنا بالرحلة وعملى وعملهم والحياة فى مصر إلخ حتى سمعنا "سيد" يدعونا لبدأ التحرك
ركبنا السيارة مرة أخرى ولكن هذه المرة مع سائق جديد يدعى "محمد" ... خرجنا على أول الطريق وانتظرنا حتى انضمت الينا بقية السيارات الخارجة إلى السفارى فكان مجموها أربع سيارات محملة بمعدات التخييم والمتاع. امتدت فترة الانتظار الى قرب النصف ساعة قضينا فى المزاح والتهكم على لكنة "ميكيل" الايطالية الثقيلة المثيرة للضحك خصوصاً من لثغته المحببة التى تقلب السين ثاء وانجليزيته الكسيحة ... كثيراً ما كانت "سيمونا" تقوم بالترجمة ... انجليزيتها ضعيفة ايضا لكن مفهومة الى حد كبير ... أما "ميكيل" فكان له "لازمة" لا تفارقه وهى قول "فرى فرى" – أى جداً جداً - قبل أى وصف ... خصوصا جملة "فرى فرى فانتاستيك" التى تصير مع لثغته "فرى فرى فانتاثتيك" والتى يصف بها كل شىء وأى شىء تقريبا ... اتخذناها مادة للدعابة طوال مدة الرحلة ... أزالت هذه النصف ساعة المليئة بالضحكات أميالاً من الحواجز بيننا فصرنا نتعامل كأننا نعرف بعضنا منذ زمن حتى ان بقية المجموعة ومن قابلونا بعدها كانوا يحسبونا أصدقاء فعلاً وليس مجرد ناس تقابلوا منذ بضع ساعات فى مطروح. من أجل هذا أنا أحب الرحلات ... التعرف على ناس من جنسيات مختلفة وثقافات مختلفة متعة ... وأفضلها أكثر لو كنت وحدى بلا أصدقاء لأن هذا يمنحنى فرصة الاختلاط بالآخرين واقامة صدقات بسهولة
بدأت رحلة السفارى ... لم يمضى سوى بضع دقائق على خروجنا من الطريق الممهد القادم من داخل الواحة حتى وجدنا أنفسنا فى قلب الصحراء المترامية الأطراف ... انطلقت السيارات بطريقة شيه متوازية كصف جيش يتقدم لمحاربة المجهول ... تتقاطع آثار الاطارات وتفترق مع قيام السائقين بالتسابق بحرفية ومهارة لاعطاء الراكبين احساس المغامرة ... توقفنا بعد حوالى ربع ساعة لالتقاط الصور ... صور لنا فى قلب الصحراء ولا شىء يبدو خلفنا أو حولنا سوى الكثبان الرملية الناعمة
استكملنا الرحلة نرتقى كثبانا ونهبط وديانا فى سكون تام ... كأننا وقعنا تحت سحر الصحراء الغامض فعجزنا عن الكلام ... نتأمل فقط التشكيلات الرائعة للكثبان حولنا كأننا أقزام وقعنا فى منطقة رملية تشكلت فيها الكثيان بيد طفل عابث يلعب برمال الشاطىء ... أتذكر مقولة أحد سائقى الجمال فى رواية "الكيميائى" ... "لقد عبرت الصحراء العديد من المرات ولكن الصراء شديدة الاتساع والأفق شديد البعد حتى انهما ليجعلا الانسان يشعر بالصغر الشديد وبأنه يجب عليه الصمت" ... لا يقطع صمتنا سوى صيحات الاثارة حين نرتقى كثيب عالى وتقف السيارة معلقة على قمته فى حين يعالج السائق ناقل الغرز – فيتيس الغرز – المزودة به السيارة فى مهارة وتحكم حتى تبدأ السيارة فى الهبوط على المنحدر الشديد من الناحية الآخرة من الكثيب بسرعة شديدة ... أحياناً بزاوية خطيرة شبه عمودية فتنطلق منا صيحات الاثارة كمن يركب اللعبة الحلزونية – رولر كوستر – بالملاهى
عرفت من الكلام مع السائقين انه توجد قواعد مخصوصة للقيادة فى الصحراء ... فعند هبوط الكثبان يجب ان تهبط كل سيارة بمفردها أولاً وينتظر الباقون حتى تبتعد عن الطريق قبل ان تهبط الأخرى وهكذا حتى لا تتصادم السيارات ... كما ان جميع السيارات تسير فى صف خلف بعضها لأن السير فى الصحراء لا يعتمد على اشارات ضوئية للاتجاهات ولا ينظر السائقون فى المرآة لان الصحراء تمتد فى جميع الاتجاهات فمن السهل ان تتصادم السيارات اذا كانت تسير بصورة عشوائية
وصلنا الى عين من المياه الجوفية الساخنة تحيطها بعض الأشجار والنخيل ... بقعة من الحياة فى وسط الجفاف والتصحر ... سبحان الله! ... كان هناك عدد من السيارات التى وصلت قبلنا ... جلس الجميع حول العين بينما خلعنا الأحذية والجوارب وجلسنا على حافة الحوض الحجرى المحيط بالعين وأنزلنا أرجلنا الى المياه الساخنة فى حين نراقب الفقاقيع الهوائية التى تحدد مكان خروج المياه من قلب الأرض فى وسط العين ... المياه الدافئة تبعث شعور جميل بالاسترخاء يسرى فى جسدى من قدمى الى رأسى فيصيبنى بقشعريرة خفيفة ... اكتشفت ان تحت رجلى مباشرة درجة حجرية فوقفت عليها فوصل الماء الى ما تحت ركبتى مباشرة ... لكن الأرض كانت ملساء بسبب طبقة من الأعشاب والطحالب كانت تغطيها ... فما ان تحركت حتى انزلقت الى درجة آخرى فوصل الماء الى وسطى ... وثبت مباشرة الى الدرجة الأولى مخرجة هاتفى المحمول من جيب الجاكت الذى أرتديه ... حمدت الله ان الجراب القماشى الذى أضعه فيه قد أمتص كثير من المياه فحمى المحمول من تسرب المياه الى داخله ومسحته سريعاً من آثار المياه لكن كان الآوان قد فات من أجل ساعتى التى اكتشفت بعدها بفترة انها توقفت عن العمل ... دعنا من الساعة لم تكن قيمة على كل حال لكن مشكلتى الآن هى ملابسى المبلله والتى أصبحت باردة بعد فترة وجيزة مهددة باصابتى ببرد أكيد فى معدتى وربما أسوأ ... خرجت من العين ووقفت فى الشمس أجفف ملابسى ... ثم جلست على مقعد مقابل للعين ... كان بجوارى سيدة وزوجها عرفت انهم أمريكيين من أوهايو وبجوارى من الناحية الأخرى فتاة مصرية ووالدتها من الاسكندرية ... كانوا فى طريقهم الى التخييم فى الصحراء مثلنا لكننا لم نقابلهما بعدها ... أعتقد انهم خيمموا فى موقع آخر
ركبنا السيارة منطلقين الى موقع آخر ... هذه المرة هى بحيرة كبيرة نسبياً فى وسط الصحراء ايضاً تدعى "بير واحد" ... محاطة بسور أخضر من الأعشاب الطويلة ولها مدخل واحد يجلس الناس على جانبيه بينما ينزل بعضهم الى المياه ... معظم المجموعة جلست على الرمال تستمتع بالشمس ومنظر البحيرة فى حين نزل اثنان من اليونانيين و"سيمونا" و"ميكيل" الى البحيرة ... مجرد ربع ساعة نادانا بعدها السائقون من أجل استكمال الرحلة ... كانت ملابسى الآن على وشك الجفاف ... وبوصولنا الى منطقة الحفريات وقضائنا ربع ساعة آخرى هناك كانت قد جفت تماماً ... منطقة الحقريات هى رقعة واسعة من الصخور كأنما نبتت من العدم وسط الرمال ... فيها بقايا صخور وأصداف تدل على وجود البحر الذى جف هنا من ملايين السنين ... قمنا بجمع بعض قطع الصخور بأشكالها العجيبة كتذكارات ثم انطلقنا
آخر محطة كانت لمشاهدة الغروب ... توقفت السيارات الثلاث فوق كثيب عالى ونزلنا جميعاً نلتقط الصور لمشهد الغروب الرائع والشمس تتوارى خلف الكثبان البعيدة والشفق يتلون بتدريجات خرافية ما بين اللونين الأصفر والأحمر ... قام "ميكيل" بهبوط الكثيب فيما يشبه التزحلق من فرط نعومة الرمال وتبعته "سيمونا" ... التقط لهما الصور فنادوا على لأهبط اليهما ... تركت الكاميرا وجلست على قمة الكثيب وانزلقت ... هناك من يقومون بالتزحلق على الرمال فعلاً باستخدام معدات تزحلق تشبه تماماً تلك المستخدمة للتزحلق على الجليد ولكننا نسينا ان نطلبها من المرشدين ... أعتقد ايضا لتها تتطلب لياقة عالية غير متوفرة للأمة لله وأخشى أن يدق عنقى فى محاولة خرقاء!
جاء "محمد" السائق ينادى علينا فبدأنا الصعود ... لو كنت أعرف ان الأمر سيكون بهذه الصعوبة لما تهورت ونزلت من الأساس ... الرمال شديدة النعومة بحيث تنهال تحت قدمى كلما انتقلت خطوة فتهبط بى خطوتين الى أسفل ... خلعت حذائى الذى امتلأ بالرمال وصار ثقلاً يسحبنى إلى أسفل ... حتى الجوربين صارا يمتلأن بالرمال ايضاً ... نجحت فى بلوغ القمة بشق الأنفس ووقفت أحاول الحصول على هواء بعد هذا المجهود ... أول شىء أفعله اذا خرجت من هنا حية ورجعت الى القاهرة هو الاشتراك فى الجيم فوراً ... لياقتى أسوأ من عجوز فى السبعين يدخن بشراهة منذ العاشرة من عمره!
آخيراً وصلنا مكان المخيم ... مجرد مكان عادى اختاره المرشدين بحيث يحمى ظهرنا من الرياح كثيب عالى ... وضع السائقون سيارتان بشكل حرف ل وفرشوا بينهما الكليم ووضعوا الوسائد وأنزلوا البطاطين والمرتبات ... ذهبنا نحن لمساعدة "ميكيل" و"سيمونا" على نصب خيمتهما الصغيرة "الهايك" ... كانت سهلة التركيب فاصبحت جاهزة فى ظرف 10 دقائق ... كنت فى حاجة شديدة لتغيير ملابسى فاتيت بملابس جافة من حقيبتى بالسيارة واستأذنتهما فى استخدام الخيمة ... أغلقت "السوستة" وغيرت ملابسى فى وضعية الجلوس وهى الوضعية الوحيدة الممكنة فى مثل هذه الخيم لذلك استغرقت وقتاً طويلاً خرجت بعده لأجد الليل قد أرخى سدوله على المكان وفى الأفق يبدو هلال الأول من الشهلر الهجرى فى الأفق كأنما يستقر على أرض الصحراء ... كان المرشدين قد أوقدوا النار على بعد خطوات من الفرش والسيارات وجلسوا على مقربة يعدون الطعام حول سخان غاز صغير ... جلست بقية المجموعة يتسامرون حول النار فى حين انضم"ميكيل" إلى المرشدين يساعدهم فى عمل الطعام ... كان من هذه النوعية من الناس التى تسارع بمد يدها للمساعدة فوراً بدون تكليف ... انضممنا لهما وسرعان ما لحق بنا بعض اليونانيون فآخذ كل يشارك بشىء ... "ميكيل" يقشر الجزر ويضعه أمامى لأقطعه و"سيمونا" تقطع الكوسة وهكذا ... رن فى أذنى فجأة اسم "سليمان" سألت من هو فجاوبنى رجل فى العقد الرابع من عمره يجلس أمامى مباشرة أنه هو ... عرفته بنفسى فضحك للصدف التى جمعتنا فى النهاية ... شرحت له ما حدث وأنى وصلت فوجدت "سيد" فى انتظارنا ورتب لنا كل شىء دون أن اتدخل أنا واعتذرت له انى لم أكلمه فتفهم الموضوع ببساطة ولامنى انى لم أكلمه حين لم نجد مواصلات من مطروح ورحب بنا مرة آخرى وأخبرنى ان اكلمه فى أى وقت ان احتجت أى شىء ... أفتقد هذا النوع من المعاملات البسيطة الغير معقدة مع أهل المدن
انتهينا من تحضير الطعام فتركنا مهمة تسويته للمرشدين وانتقلنا للجلوس مع بقية المجموعة حول النار ... جاءت جلستى وسط الدائرة بجانب سيدة ايطالية رقيقة تدعى "كاتيا" ... قابلت جلستى بجانبها بابتسامة جميلة مرحبة فعرفتها بنفسى وانخرطنا فى الحديث فوراً ... تعيش فى القاهرة منذ عدة شهور وتعمل مدرسة للغة الايطالية بجامعة عين شمس ... تعيش فى المعادى ... آخذنا الحديث للمناطق السكنية فى القاهرة وأسعار العقارات المجنونة ثم انتقل الى السفر والمدن الأوروبية واللغات ... استغرق الحوار حوالى نصف ساعة انتقلت بعده الى الناحية المقابلة من الدائرة لأن دخان النار كان قد بدأ يدمر صدرى ...كان الطعام قد جهز على كل حال فقام الجميع كل يأخذ طبقاً فارغاً ويذهب ليملأه من حلة الأرز وحلة التورللى وحلة السلاطة الموضوعين على مائدة خشبية صغيرة خلفنا ... وكان وفد جديد قد انضم لنا ... سياراتان لمصريين ... رجل وابنته وآخر وولدبه الصغيريين الى جانب "لورا" زوجة "سيد" التى كانت قد تركتنا من بعد الغذاء ... آخذت طبقى وعدت الى مجلسى فكانت "لورا" بجوارى وبعدها "ميكيل" و"سيمونا" ... أكل الجميع فى صمت وسرعة ... الكل جوعان وطعم التورللى المطبوخ على نار الفحم أطعم من أى خضراوات أكلتها من قبل ... انتهى الطعام فجلست أتسامر قليلاً مع "لورا" يقاطعنا "ميكيل" بمرحه المعهود ولكنته التى تستفزنى للتهكم عليها فيقابلنى بالمزيد من التهكم ... ثم ان بدأ اليونانيون من حيث لا أعلم فى الغناء ... فى نفس واحد انطلقوا ينشدون أغنية ذات لحن رقيق حزين أجبرت الجميع على الصمت والشرود فى وهج النار ... انتهت الأغنية وشرحوا لنا انها أغنية تقليدية للأفراح ... اذا كانت هذه الأغنية الحزينة للأفراح فكيف يكون العزاء عندهم؟!! سبحان الله ... ثم انهم شرعوا فى غناء أغنية آخرى أكثر ايقاعاً وقام "خريستوس" يرقص وحده حول النار مع تصقيف الجالسين ... ثم انضمت له "خاراو" بعد لحظات ... خطواتهم المشابهة لرقصة "زوربا اليونانى" كما آداها أنتونى كوين فى الفيلم المشهور ... تبع هذا رقصة آخرى من "ستاماتوس" وزوجته ... أشاعت النغمات الناعمة والخطوات الراقصة حول النار جوا من المرح على المخيم ... فى هذه الأثناء كان "سيد" قد أعد الشاى اياه ودارت الأكواب كالعادة ... بعدها بفترة وجيزة دارت بيننا علبة من كحك العيد و "البيتيفور" جاء بها المصريين معهم من باب الاحتفال بالعيد برغم البعد التام عن جو العيد ومظاهره فى غياهب الصحراء هذه والطابع اليونانى الذى اكتسبته الليلة مع الأغانى والرقصات الأخيرة
هدأت المجموعة قليلاً فقمنا مع "سيمونا" و"ميكيل" نتمشى ... توغلنا قليلاً فى الصحراء بعيداً عن المخيم حتى نحصل على رؤية أفضل للنجوم ... كنا بالكاد نرى أحدنا الآخر ... نبدو كالأشباح فى هذه العتمة ... مشهد النجوم فى الصحراء شىء خرافى أعجز عن وصفه ... كنت أقرأ منذ صغرى هذا الوصف فى كتبى : "تتلألأ النجوم" ولم أكن أعرف لها معنى ... فأقصى ما استطيع رؤيته فى سماء القاهرة هو نقطة بيضاء بعيدة بالكاد ترى بالعين المجردة ... أما هنا فالنجوم تفرش السماء كالبذور المرشوشة وتتلألأ كالمصابيح فتومض وتخبو طوال الوقت ... كما تستطيع لو عندك الخبرة ان تستكشف تجمعات النجوم المشهورة ... رأينا مجموعة "بيجاسوس" وهى تبدو مجموعة من النجوم الصغيرة متكومة فى بقعة واحدة بحيث تبدو كباقة من الورود البيصاء مغلفة بورق شديد السواد
عدنا إلى المخيم وكان الجميع يستعدون للنوم ... الساعة ما بين العاشرة والحادية عشر ... ذهب "ميكيل" و"سيمونا" الى خيمتهما والمصريين كذلك ولم يبق سوانا مع اليونانيين ... "كاتيا" رحلت مع بقية المرشدين للمبيت فى الواحة وكانت قد ودعتنا بعد العشاء مباشرة ... آخذ كل منا مرتبة رفيعة وغطاء من الصوف الثقيل واتخذ كل فرد موقع من رقعة الكليم المربعة ... اتخذت موقع فى أقصى طرف الكليم قريباً من النساء وبعيداً عن الرجال ... عموماً أنا أنام بالحجاب طبعاً والغطاء الثقيل يحجب الجسد كله حتى الوجه – لاتقاء البرد- فلا تستطيع حتى ان تتبين من النائم ... قضيت فترة أتأمل غطاء النجوم فوقى وتأتينى أحاديث المرشدين مع الرجلين المصريين حول النار ... اليونانيون ايضا يتبادلون الحديث ورائى بطريقتهم الغجرية السريعة العالية فى الحديث فأود لو استطيع اسكاتهم لاتمتع بسكون الليل ... لا أعرف متى غفوت ومتى أفقت على صوت همس باليونانى يشق سكون الليل كمكبرات الصوت ... شعرت بالبرودة الشديدة تكاد تجمد أطرافى ... وكنت قد خلعت الجاكت قبل النوم وطبقته مع الشال لأصنع منهما وسادة لرأسى ... فقمت فارتديت الجاكت وذهبت الى السيارة لآتى ببعض ملابسى لأصنع منها وسادة آخرى ... كانت النار قد انطفأت وأرى بصعوبة شديدة ... ولكن مع مرورى بجانب من كانوا يتهامسون وجد يد تمتد لى بولاعة ... كان "خريستو" يقول لى ان آخذها تنير لى الطريق ... شكرته وتناولتها وأشعلتها حتى وصلت الى السيارة القريبة ... اخذت الملابس وعدت الى موقعى بعد ان اعدت ل"خريستو" الولاعة وشكرته ... حاولت النوم مرة آخرى ففشلت ... كان البرد ينهش عظمى وحاجتى الى الحمام تقتلنى ... فكرت ان أقوم فابتعد عن المخيم و "اذهب الى الخلاء" بمعنى الكلمة ... المكان مظلم تماما وبضع خطوات فى أى اتجاه كفيلة بحجبك عن الانظار تماما ... الا انى لم استطع ... أفضل الموت على ان أفعل ... قررت النوم فى السيارة اتقاءا للبرد ... آخذت الغطاء الثقيل وذهبت الى السيارة ... فتحتها بهدوء ونقلت الحقائب الى مؤخرة السيارة وتمددت على المقعد الخلفى متدثرة بالغطاء ... لم تكن وضعية مريحة نظرا لضيق المقعد لكن على الأقل المكان دافىء نسبياً
هكذا قضيت بقية الليلة ... أصحو على فترات متقطعة بسبب سوء وضعية النوم ... كما ان أى حركة فى الخارج أسمعها بوضوح ... لو تقلب أحدهم فى الخارج أو حتى تنفس بصوت عالى أسمعه بوضوح كطلقات الرصاص فى السكون المطبق ... مضى الليل بطيئاً مؤلماً حتى صحوت فجأة وكان لون السماء بدأ يتحول الى الزرقة ... فتحت الباب بهدوء حتى لا أوقظ النائمين وخرجت الى العراء ... ادركت ان الفجر يزحف بهدوء وكنت الوحيدة المستيقظة فى المخيم كله ... قررت أن أصعد الكثيب القريب لأشاهد الشروق ... أهل الصحراء يسمون الكثيب "غرد" لأن الرياح التى تمر فوقه وبين كثيب وآخر تصدر صفيراً فتبدوا كمن يغرد لحناً خاصاً ... ومعظم الناس تعطيه الاسم الانجليزى "ديون" ... آثار الأقدام تغطى القمة دالة عى من صعدوا اليها ليلاً ... أجلس على القمة أتأمل الأفق الممتد على يسار المخيم والذى بدأ يتلون بتدرجات من الأزرق الفاتح واللون البنفسجى ... الرمال شديدة البرودة من أثر الليل... من بعيد ... وعلى الضفة الآخرى من المعكسر ألمح الواحة بأنوارها تغفو فى سكون ... وتحتى من الناحية الأخرى يبدو المعسكر بعرباته الأربع وخيمه الثلاثة ورقعة الكليم والنائمون عليها ... وعلى بعد حوالى 50 متر من المخيم أرى بقعة حمراء ... "سليبنج باج" على وجه الدقة ... قدرت انها ل"سيد" و"لورا" حيث انهما الوحيدين المفقودين من المخيم ... ثم لا أعتقد أحد غبرهما يجرؤ على النوم فى الخلاء التام والعتمة الثقيلة هذه غيرهما ... أتابع من فوق استيقاظ "خريستو" وذهابه بعيداً عن المخيم مع زجاجة من الماء لغسل وجهه وأسنانه ... يتبعه فى ذلك "ستاماتوس" ... أدير بصرى الى الأفق الشرقى ... ألتقط الكثير من الصور لجميع مراحل الشروق وحتى بزوغ الشمس بلونها البرتقالى الدافىء من وراء الأفق ... أنزل بعدها إلى أرض المخيم لألتقط المزيد من الصور من زاوية مختلفة ... حتى أنى أصعد فوق السيارة الجيب لألتقط صورة للمعسكر النائم فى ظلها ... ويمر "ستاما" تحتى فيحيينى قائلاً "سباح الخير" بلكنته اليونانية المشهورة من أيام أفلام الخواجة "ينى" فأسأله ان يلتقط لى صورة وأنا أقف فوق السيارة
دقائق معدودة وكان الجميع قد استيقظ وجاء "سيد" يخرج طعام الافطار ويبدأ فى تحضير الشاى والنسكافيه فى حين يضع صينية كبيرة ملأى بالبيض للسلق على سخان الغاز الآخر ... على المائدة الخشبية التى تجمعنا حولها على الكراسى والصناديق والكليم توجد علب الجبن المثلثات والمربى والعيش السيوى الجميل ... "خريستو" قام بتشغيل أغانى يونانية من هاتفه المحمول وسرعان ما اندمجت المجموعة المهووسة بالغناء والرقص فى المشاركة بالغناء وقام "ستاما" هو وزوجنه يرقصان الرقصة المشهورة اياها بوضع الذراع مفرودة كل على كتف الآخر والقيام بخطوات بسيطة جانبية وأمامية مع خبط الأرض بأقدامهم ... جلسنا فى ظل هذا الجو ومع الاستمتاع بشمس الصباح الدافئة نتبادل الحديث ... طلبت من "خريستو" ان يرسل لى بعض الأغانى بالبلوتوث وأرسلت له فى المقابل أغانى لفيروز من هاتفى ايضاً ... قالت لى زوجته "جوى" ان فيروز مشهورة فى اليونان وأغانيها محبوبة جداً حتى ان عندهما أغنية مشهورة عنها هى شخصياً ... هذا الى جانب ان عندهم العديد من المغنيين اليونانيين يقومون بتحويل الأغانى العربية المشهورة الى اليونانية ويعيدوا غنائها بلغتهم ... اكتشفت ان "خريستو" نفسه مؤلف أغاتى بل أنه هو صاحب الأغنيتين اللتان أرسلهما لى ... انتهى الافطاروكانت بقية السيارات التى كانت قد تركتنا فى المساء ومنهم "سليمان" قد عادت لتأخذنا فتجمع الناس فى السيارات من أجل رحلة العودة الى الواحة
3 comments:
يا هلا و الله .. هلا
أنا كنت فاكر إن مكتب السفريات هينهي خدماته بعد رحلة فرنسا و هولندا ... بس يظهر إنه هيوسع نشاطه أكتر
من قلب التقدم و الفنون إلى قلب الصحراء
** BABBYBLUE ADVENTURES **
إلى اللقاء في غابات الامازون
:p
.....
بالمناسبه ... بأحييكي على الصور الجميله
و حمد لله على السلامه
i am writing my comment before reading the post ya sheeky bacuse i am sure that it is very intresting as usual ya adeebet al re7alaaaaat :)
wait for a new comment after reading it berawa2aaaaan :)
Post a Comment