Thursday, January 3, 2008

شد الرحال الى بلاد تركب الأفيال - الهند 1


بعض أصدقائى يجدون تشابها كبيراً بينى وبين شخصيات روايات باولو كويلهو ... أنا "سانتياجو" الكيميائى و"شيرين" ساحرة بورتوبيللو ... سانتياجو كان يتنقل بين المدن الاسبانية بحثاً عن العلم والتجارب والخبرات ... وأنا منذ بضعة شهور فردت خريطة العالم وقررت ان أفعل المثل ... ان أزور ما استطاعت ان تطأه قدماى من البلاد والأماكن المختلفة داخل وخارج مصر ... ورغم ان ما وضعنى على بداية هذه الطريق كانت فى الواقع الظروف والملابسات لا أكثر الا انى قررت ان أصنع الظروف بدلاً من انتظارها
وهكذا .. وبهذه الروح قررت ان انتقل الى المحطة التالية على خارطتى ... الهند!
البداية كانت محادثات كثيرة تبادلتها مع احدى زميلاتى فى العمل – فرع الهند - حول الهند وثقافتها ورغبتى فى حضور حفل زفاف هندى ... فقامت هى وتدعى "آرتى" بدعوتى لحضور حفل زفاف أختها فى نيو دلهى ... حسبتها ووجدت امكانية متاحة لسفرى فى هذا التوقيت ... اصرت أمى على اصطحابى بالرغم من تحذيرى اياها من مشقة سفرية كهذه وكنت اعرف انها لن تعجبها ... أنا اقوم برحلة استكشافية وليس رحلة سياحية ... لكنها أصرت ... وقد أعذر من أنذر
لم أقم بأى نوع من الترتيبات قبل سفرى ... كنت قد اعتدت على الخطط التى تفشل دائماً ومهما حرصت فى رسمها ... فقررت ان ارتجل ... لكن تركت ل"آرتى" مهمة تدبير مكان الاقامة ... ولأنى كنت اعتمد على خبرتى السابقة فى أوروبا فقد ارتكبت خطأ اكتشفت مدى خطورته عند وصولى الهند ... ذلك انى طلبت الحصول على مكان اقامة متوسط ولو بنظام العائلات المضيفة نظراً لمحدودية الميزانية ... سنعود الى هذه الفقرة لاحقاً

المهم ... حجزت تذكرتين على طيران الاتحاد الاماراتى وكنا فى المطار قبل موعد الطائرة بساعتين ونصف أى فى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف ليلة السبت الرابع عشر من نوفمبر ... مررنا بالاجراءات المعتادة وقضينا ساعة كاملة فى انتظار بداية البوردينج – تحميل الركاب – الى ان استقرينا فى مقاعدنا فى الطائرة ... أول مرة أسافر على طيران الاتحاد ... ولأنه كان أرخص من مصر للطيران توجست خيفة انه يكون اسوأ من مصر للطيران حتى انى سألت موظفة شركة السياحة "ودى بتوصل الهند وللا هيرمونا سقط على نيو دلهى من فوق؟" ... لكن اكتشفت انه لا ممكن ابداً حد يحتل مكانة مصر للطيران فى قلوب كل المصريين ويكون اسوأ من كده

الطيارة صغيرة نسبياً لكن جديدة وليست مثل طيارات طراز خيل الحكومة بتاعت ... وللا بااااش ... المهم ... الطيارة شديدة النظافة بألوانها الكريمى المريحة للأعصاب – مش زرقاء كئيبة بلون المحيطات اللى غالباً بتقع فيها الطائرات اياها ... حتى ان الداخل الى الطائرة من دول يشعر ان الشركة ترحب به على طريقة "الفاتحة لأمواتنا وأموات المسلمين ... أنتم السابقون ونحن بكم ان شاء الله لاحقون" - ... ومكان حتة القماش المقطوع – والملطوع كمان - على ظهر كل كرسى من كراسى الطيارات الوحشة اياها ... هناك شاشة دى فى دى صغيرة مثبتة أمام كل راكب ولها ريموت كونترول مثبت فى جانب الكرسى للتحكم فى العروض المقدمة والتى تحتوى على مجموعة متنوعة من أحدث المسلسلات و الأفلام الأجنبية اللى لسه منزلتش السينما فى مصر أساساً ... يا حلاوة يا ولاااااااااااد ... دهده!
معلومة للقارىء: أنا مبتكلمش عن درجة رجال الأعمال لا سمح الله ... أنا فى الدرجة الاقتصادية مع بقية الشعب الكادح لحسن تفتكر انى بتكلم عن مستوى خاص من الخدمة وللا حاجة!

بعد انقضاء حوالى 3 ساعات هى مدة الرحلة الى أبو ظبى بدأنا مرحلة الهبوط
ماما ... ماما ... مامااااااااااااااا ... مفيش صوت طالع ... أمد ايدى ... مبتتمدش ... كنت فى حالة شبه إغماء ... بيقولوا – مين هما معرفش – انى ثلجت والدم هرب من وشى ... الموضوع ببساطة ان عندى مشكلة مع انخفاض ضغط الطائرة فى مرحلة الهبوط بسبب التهاب الجيوب الأنفية المزمن ... لكن الألم فى أذنى ورأسى هذه المرة كان رهيب لدرجة انى شبه فقدت الوعى من فرط الألم ... طبعاً أمى احتاست ... مش عارفة تنده مين وتقول ايه ... واحد مصرى الله يكرمه نده المضيفة فاحضرت كوب ماء وسكر وطلبت الدكتور من المطار
الناس كلها نزلت من الطيارة ومفيش غيرى أنا قاعدة فى الكرسى بلا حراك ... ثم ان تأثير السكر بدأ يعيد لى الوعى شوية فطلبت النزول ... كان فيه راجل عجوز وسيدة مسنة على كراسى متحركة نزلونى معاهم فى مصعد خاص من باب الطائرة الى أرض المطار ... يادى الرحلة اللى مش باينة من أولها
اللطيف بقى ان كان فيه اشارات غريبة بتجيلى كمان بخصوص السفرية دى ... مثلاً أفتح الجرنال فى الطيارة ألاقى الخبر الظريف ده: مصرع مش عارفة كام بنى آدم فى انفجار ثلاثة قنابل قرب نيودلهى بالهند
اقفل الجرنال فى غيظ محاولة ان اداريه عن عين أمى فاذا بى أجد على الصفحة الخلفية عنوان مقالة لأنيس منصور يقول "لا تحاول الهزار مع الهنود" ... طبعاً يأخذنى الفضول وأكمل القراءة فاجده يحكى عن مشكلة حدثت له فى مطار الهند حين "هزّر" مع مسئول أمن فى المطار فانتهى الموضوع بالاشتباه فيه وتم حجزه فى المطار حتى تم التأكد من هويته! ... والله؟ فى المطار؟ فى الهند؟ ... هي سفرية باينة من أولها!

دخلنا مطار أبو ظبى فى حوالى الساعة الثامنة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلى ... أى باقى حوالى ساعة فقط على ميعاد طائرة الهند ... أى ان البوردينج على وشك البدء
مطار أبو ظبى مطار صغير نسبياً لكنه شديد النظافة والرقى ... مبنى المطار مصمم على شكل دائرة يخرج منها ممرات طولية متعددة كأنها مجسات أخطبوط ... فى نهاية كل ممر منهم دائرة أصغر تمثل صالات المغادرة ... توجهنا إلى إحداها حسب ارشادات احد مسئولى الأمن ووجدنا البوردينج قد بدأ بالفعل ... دخلنا أولاً عبر بوابة التفتيش ... وهو تفتيش أكثر دقة من تفتيش مطار القاهرة ... سألنى رجل الأمن عن مدة الاقامة فقلت "عشرة أيام" ... فطلب منى فتح شنطة ظهرى المنتفخة ... فتحتها ... واذا به يفاجأ بكيس من البلاستيك ممتلىء بعلب كثيرة معدنية ... سألنى "شو هادا؟" ... قلت ببراءة "هادى علب تونة وفول" ... خمس علب تونة وعلبتين فول بالتمااااام والكمال! ... بص لى باستغراب وعلى شفتيه تعلو ابتسامة تعرفون معناها جيداً "تونة وفول؟ ليش؟" .... آه ه ه ... قاللى ليش! ... قاللى ليش! ... ردى يا أم السعد – السعد ده يبقى أنا – ليششش؟ ... ردت أم السعد اللى هى أمى – اللى أصرت على أخذ العلب دى معانا ... وبصعوبة اقنعتها بالعدول عن فكرة الخيار والجبنة ... أنا أصلى مش رايحة كفر طهرمس! - "أصل أكل الهند مش هيعجبنا فقلنا نعمل حسابنا" ... الراجل بص تانى لخمس علب التونة وعلبتين الفول – بالتمااااااااام والكمال – وقال بسخرية "ودول راح يكفوكوا العشرة أيام؟" ... ابتسمنا ولم نرد فقال "هو ممنوع لكن ماشى ... تعدى" ... يظهر قالك "يا حراااام ... كفاية انهم رايحين الهند ... بلاش نرخم عليهم ... لازم كل السبل تكون ميسرة للفدائيين من أمثالهم"! هي سفرية باينة من أولها!

بمرورنا عبر بوابة التفتيش صرنا داخل فيلم أميتاب باتشان ... قصدى داخل صالة المغادرة الممتلئة بقوم سمر البشرة قصيرو القامة فاحمى سواد الشعر يرتدون الألوان الزاهية يسمونهم "الهنود" ... اتخذنا مقاعدنا وسطهم لمدة عشر دقائق حتى انتقلنا الى الطائرة ... اتخذت مقعدى وأنا أدعو الله ان يهون على آلام الضعط المرة دى ... انشغلت بالفرجة على فيلم هندى – قلت أدخل فى الموود بقى – حتى بدأ الهبوط ... بدأت أجز على أسنانى وعلى اللبان اللى كل الناس لازم تنصح بيه مع انه مبيعملش معايا فرق ... أقول لنفسى "هانت يا بنت يا شيرين ... استحملى 5 دقايق كمان ... إن شاء الله مفيش حاجة هتفرقع فى نافوخك ولا ودانك هتطرشق ولا الدم هيطلع من عنيكى زى أفلام رعب الستينات الفاشلة ... فكرى فى حاجات حلوة ... باريس ... الشانزيليزيه ... المطر فى الأسكندرية وأنا ماشية على الكورنيش ... فيلم رعب جامد وحلة فيشار تحت البطانية فى ليلة برد ... شيكولاتة مع الشاى فى صباح يوم شتاء ... ملوخية بالأرانب من ورا أمى عشان بتقرف من الأرانب ... كوبرى 6 أكتوبر فاضى خالص وأنا رايحة محاضرة الثلاثاء بالليل ... "السادة الركاب ... كابتن الطائرة عباس بن فرناس – دى من عندى – يهنيكم بسلامة الوصول ويتمنى لكم .... إلخ إلخ" ... الحمد لله ... انزل من الطائرة المرة دى على رجلى سليمة معافاة بحمد الله

أشيل الشنطة الثقيلة أم خمس علب تونة وعلبتين فول بالتماااااااااام والكمال على ظهرى ونذهب لالتقاط بقية الشنط من على السير الدوار داخل المطار ثم نتوجه لمنطقة الجوازات
مطار إنديرا غاندى مطار شديد الكآبة ... لا يوجد محلات ولا كافيتريات ولا أى شىء سوى عربات التروللى المتناثرة هنا وهناك لنقل الشنط وبعض المكاتب الخاصة بموظفى المطار ... فكرنى بموقف السوبر جيت بألماظة ... وتأكد الشعور ده عندى لما توجهنا الى الجوازات ... مفيش غير اتنين موظفين – مش بزى رسمى زى مطار القاهرة – وشكلهم مصحينهم من النوم عشان يخلصولنا الجوازات ... فلكم ان تتخيلوا مدى البطء والبرود اللى كانوا بيتعاملوا بيه!
أخيراً انتهينا من الاجراءات بحلول الرابعة عصراً تقريباً بتوقيت نيودلهى ... مررت بمكتب "توماس كوك" لتغيير الدولارات التى كنا نحملها لان طبعاً لم أجد روبيات هندية فى مصر ... محدش أصلاً يعرف ايه الروبى ده ... ولو سألت حد فى مصر آخره هيقولك على طول: "طب ليه؟ ... بيدارى كده ولا هو دارى كده ... "
والروبيه – أو الروبى بالانجليزية – هى احدى العملات النادرة التى تقل بفرق شاسع عن الجنيه المصرى الساقط فى نظر المجتمع الدولى ... فالجنيه يشترى سبع روبيات ... تخيلوا؟ والله ولسه فيك النفس يا أصفر!
إللا هو ليه أصفر أو بنى؟ ما هو طبعاً لازم يكون تعبان وعايش فى خريف العمر ... بص شوف الأخضر منتعش وعايش ربيع حياته ازاى؟

ما علينا ... خرجنا الى صالة المطار الخارجية المؤدية الى البوابات فوجدت "فينيش" يلوح لى من بعيد ... مين "فينيش" ده؟ ... "فينيش"ده – بتعطيش الفاء – عقبال أملتك أخويا الصغير ... زميلى فى الشغل ... كان فى زيارة لفرع الشركة فى القاهرة عندنا الأسبوع اللى فات وهو أعلى منى بدرجتين فى السلم الوظيفى لكن مضيفته فى فرع الشركة فى مصر صديقتى فخرجنا معاً فى جولات سياحية أكثر من مرة ... فى الشغل الناس بتعتبرنى مرشدة سياحية تقريباً ... أى عيل تايه ييجى من برة مصر يبعتوه عليا أفسحه! دهده! طب بفكر أحترف المهنة طالما ان مكتبى اصبح مكتب استعلامات وخدمات سياحية وعربيتى قربت أغيرلها النمر من ملاكى لسياحة! ... المهم ... كنا مرة فى جولة فى القاهرة الفاطمية وتحديداً فى شارع المعز جهة الأزهر والحسين واشتريت بعض المشغولات التى تلبس حول المعصم مما يسميها الأطفال "حظاظة" فعجبته ... عرضت عليه بكرم المصريين الحاتمى ان يأخذ واحدة منها فطلب منى ان اربطها له حول معصمه ... بينى وبينكم أنا قلت فى نفسى "ايه الأهبل ده؟ ده جنان ده وللا ايه؟ أنا هاخطبه؟" ... ففهمنى – الا زاد الله علمه – ان حداهم لو الواحدة ربطت لواحد أسورة أو رباط أو أى شىء من هذا القبيل حول معصمه تصبح أخت له ... يعنى أنا على سلو بلدهم ده أبقى أخته؟ ... ماشى ياخويا ... كانت ناقصة نخاوى هنود كمان!

المهم ... الأخ "فينيش" قال هييجى يستقبلنى فى المطار هو ومراته ... والواد الصراحة مكدبش خبر ...لقيتهم فى انتظارنا ومراته جايبة بوكيه ورد صغير قدمته لأمى ... والله ناس ذوووق ذوووق ذوووق ...بس أنا مش قليلته – الذوق يعنى – ولا مؤاخذة ... رحت رزعتها هرم صغير ... هرم شيكولاتة فريرو روشيه صغير كده على قدها اشتريته فى آخر لحظة وقبل ميعاد الطائرة بساعتين فقط من القاهرة لأن الوقت لم يسعفنى
كان "فينيش" قد كلم "آرتى" – هتقوللى هو يعرف "آرتى" منين ... لأ ... نشغل الفهامة شوية ... ما هم شركة واحدة يعن وكلنا عيلة! – وعرف منها العنوان بالتفصيل فأعطى تعليماته لسائق السيارة التمينى فان التى استأجرها مخصوص لنا ... ناس ذوووق ذوووق والله ... وانطلقنا فى شوارع نيودلهى

إلا صحيح انتو متأكدين ان دى نيودلهى؟ ... لما دى ال"نيو" أمال ال"أولد" هتكون ازاى؟ ... "يا حومتى" على رأى لوسى فى "ليالى الحلمية"! ... أول ملحوظة لاحظتها أمى ان فيه موتوسيكلات و"سكوترز" – اللى بنسميها هنا "فسبا" مش سكوتر الأطفال أكيد - كتيرة قوى ... وكل اللى راكبنها لابسين غالباً اللون الأسود وخوذات سوداء ... أمى اتخضت وقالت "ايه ده؟ هى البلد دى كلها بوليس وللا ايه؟" ... الحمد لله انها ما كانتس قرأت موضوع التفجيرات اياه! ... عموما أكتشفنا بعدها ان ده وضع طبيعى ودول ناس طبيعيين من عامة الشعب مش بوليس ولا حاجة لكن نظرا للازدحام الشديد فالناس تستعيض عن السيارات بالدراجات النارية باختلاف أنواعها
نعود إلى الشوارع ... الجو العام تراب تراب تراب ... تقوللى ما هى مصر متربة ... أقولك لأ ... تراب عن تراب يفرق ... هنا الجو العام للشوارع يشبه بلاد الأرياف ... كنت حاسة أنى فى أحد الشوارع الرئيسية مركز الباجور, منوفية! ... "يا حومتى" – تانى لوسى بس المرة دى فى "سلطان الغرام" ... الست دى مبتغيرش؟ - لو هى دى العاصمة أمال قليوب الهندية هيكون شكلها ايه؟

قلت يا واد طنش خاااااااااالص ... شوف البلد دى آخرتها ايه! ... مشينا بلاد تشيلنا وبلاد تحطنا لما يقرب من الساعة حتى دخلنا من بن بوابة مكان يشبه التجمع السكنى يتكون من عدة مبانى ... المكان بوجه عام يشبه مدينة فيصل فى الاسكندرية التى تشرفت بزيارتها عدة مرات منذ حوالى 10 سنوات كاملة ... مدينة بين الطبقة الشعبية والمتوسطة ... وده مجرد اقرار واقع مش طبقية منى!
توقفت السيارة أمام منزل يقف أمامه رجل فى الأربعينات وفتاة فى العشرينات ابتسمت حين رأتنا ... "فينيش" نزل وسلم عليها فى حين ساعد الرجل الآخر السائق فى حمل الحقائب ... لم استوعب فى الأول الأمر حتى قال لى "فينيش" ان هذه هى "آرتى" ... فى الوقت ده كنت فى غاية الارهاق ولو قالولى ان دى "إشواريا راى" نفسها مش هتفرق
المهم ... "فينيش" سلم علينا ومشى ودخلنا وراء "آرتى" والرجل اياه من باب جانبى بالدور الأرضى للمنزل ... دخلنا الى حجرة صغيرة بها مكتب خشب وكرسيين فقط ... وعلى يمينها باب حجرة آخرها أصغر من الأولى بها سرير فقط ... وبمواجهة باب هذه الغرفة باب آخر يفضى الى ممر قصير بطرفه حمام وأخيراً حجرة ثالثة تبدو فيها من بعيد سيدة مسنة يحيطها عدد لا بأس به من السيدات فيما يشبه مشهد من مشاهد دعاء الكروان أو شىء من الخوف فى الريف المصرى! ... ده ناهيك عن رائحة المكان التى هى مزيج من الرطوبة والتوابل الهندية أو أى شىء غير مريح قد يطرأ على خيالك ... لم استوعب المصيبة حتى أشارت "آرتى" الى السرير فى الحجرة الوسطى وقالت ان هذه غرفتنا ... طبعاً مهما حاولت أدارى الصدمة فأكيد ما ظهر على وجهى ووجه أمى فى هذه اللحظة هو الفزع نفسه ... وجوم تام ... وأمى أخذت "تزغر" لى وهى على وشك تقطعنى بأسنانها ... كنت فى موقف لا أحسد عليه ... من ناحية لا يمكن أبداً أنام فى مكان زى ده ... ومن ناحية آخرى شكلى وحش جداً قدام الناس اللى مستضيفنا ... المهم أمى أخذت تكح وتظهر أعتى صور الامتعاض والاختناق والقرف فى مزيج عجيب على وجهها ... فنزل على الوحى والالهام وطلبت منها – بالعربية طبعاً – انها تزود عيار الكحة شوية وتتخيل نفسها فاتن حمامة فى أيامنا السودة ... قصدى الحلوة ... أو أمينة رزق فى فيلم المولد وتوكلت على الله ... بسم الله الرحمن الرحيم ... إحم ... شوف يا سيدى ... بقى أمى دى ست غلبانة وطيبة وخالتها ماتت محروقة وعندها الضغط والسكر وربو مزمن ومتقدرش تقعد فى مكان مقفول من غير نوافذ زى ده .... الرجل – اللى فهمت وقتها انه ابن عم "آرتى" وصاحب المكان وان الست الكبيرة اللى جوة دى هى والنسوان اللى حواليها تبقى أمه ... مش بالظبط أماه لأن القصة كما حكاها لى هى أن هذه السيدة كانت من عائلة راقية وزوجها مقاول كبير خسر كل ممكتلكاته فى انهيار أحد السدود التى كان يبنيها وكانت هى لا تنجب ... فلما ولد هو أعطته أمه لهذه السيدة لتكون أمه الثانية ... وهو الآن مسئول عنها بعد موت زوجها كما هو مسئول عن أمه الحقيقية بالظبط ... فيلم "مارد" لأميتاب باتشان بالحرف! – عرض فوراً يروح يجيب لأمى بخاخة ... بخاخة مين يا عم الست لو قعدت هنا هتطلع الصبح على أرض الجولف حيث مقابر العائلة! ... المهم ... مع كثير من الاحراج والاعتذارات طلبت ان نبحث عن أى أوتيل مناسب فى مكان قريب ... الحقيقة ان الناس كانوا فى قمة الذوق والأخلاق ... تفهموا الموضوع تماماً وأخذ الرجل يؤكد لى ان ما يهمه هو توفير الراحة لنا بأى شكل نريد
على ذلك انطلقنا هذه المرة فى سيارته للبحث عن أوتيل ... كانت الشمس حينها قد غربت والساعة حوالى السادسة والنصف ... وحدث هنا ما لم اتوقع حدوثه ابدا خارج بلدى الحبيبة ... كنا نسير فى الشارع فاذا ب"توكتوك" يأتى من اليمين ويدخل مباشرة فى سيارة آتية من الشمال ... كده وش! ... بدون اشارات ولا ملفات ولا أى شىء ... وكان ده أول مواجهة ليا مع المرور فى الهند – لأنى فى طريقى من المطار كنت مشغولة بالكلام مع "فينيش" ومركزتش خالص فى المرور غيلر احساس الزحمة – أما ما تلى ذلك فهم ساعتين كاملتين قضيناهم فى هذا النوع من المرور الذى بدا لى شديد الغرابة ... تخيلوا؟ أنا اللى النيل روانى والخير جوانى استغرب مرور أى بلد غير مصر؟ وكانت لى الملحوظات التالية فى هذه الجولة الليلة:
- الهندى بيسوق برجليه مش بمخه اطلاقاً ... يعنى مبيفكرش ... هو يدوس بنزين وبس ... كده عمل اللى عليه وزيادة
- كمية الموتوسيكلات حقيقى رهيبة ... ويطلعوا من اليمين والشمال وورا وقدام ومن تحت الأرض حتى
- التوكتوك هناك بيسموه "أوتو ركشه" ... لأن فيه نوع من المركبات تانى اسمه "الركشة" وهى عبارة عن ما يشبه الكارته عندنا لكن بدل ما بيجرها حمار أو حصان بيكون متصل بيها دراجة يقودها بنى آدم ... وهى طبعاً أرخص وسائل الموصلات هناك لكن لا تصلح الا لمشوار آخر الشارع أو على قدر "نفس" السائق الذى يكون عادة شديد النحافة ويعانى من فقر دم ويصعب على الكافر وشكله مايجبش جر رجله أصلا مش جر كارته
- هناك الكثير من الكبارى العلوية ... بعضها مخصص للسيارات والبعض الآخر للمترو ... ايوه ... هناك المترو مش بيمشى فى نفق بل بيمشى فوق كوبرى ... والمحطات كلها تشبه محطة مترو الهرم عندنا حيث تصعد الى المحطة عن طريق سلالم مرتفعة
- الجو خانق بطريقة فظيعة ونسبة التلوث أعلى بمراحل من القاهرة
- أغلبية السيارات من ماركة "تاتا" الهندية حتى السيارة التى نركبها ... شركة "تاتا" هى امبراطورية ذخمة فى الهند تنتج العديد من أنواع السيارات من أول السيارات الصغيرة وحتى اللورى والنقل ... هذا الى جانب العديد من المنتجات والخدمات الأخرى ... وسمت انها نزلت السوق المصرى مؤخراً ياحدى موديلاتها الصغيرة الحجم

مما عرفته ايضا ان الرجل يدعى "سانجاى" وقد عرفته لى "آرتى" مرة على انه أخوها ومرة على انه ابن عمها ... عندما استفسرت عن ذلك قالوا لى ان ابن العم يعتبر أخ ولا يجوز زواج ابناء العمومة.

ممرنا بالعديد من الأوتيلات ... كلها ممتلئة عن آخرها ... فلكى تكمل الليلة كان هذه هو موسم الزواج ... فالهندوس يتزوجون فى أيام معينة من السنة لا يتزوجون فى غيرها ... وهى حوالى 44 يوماً كان هذه هو احدها ولذلك فلا توجد غرفة واحدة شاغرة ... فييييييييييييييييين على ما لقينا غرفة بالعافية فى أوتيل صغير يدعى "أمان" - بالرغم من شكله الذى لا يوحى بأى قدر من الأمان أو الطمأنينة - يتكون من ثلاثة أدوار فقط ويدعى أصحابه أنه ثلاثة نجوم بغض النظر عن رأى أى من النزلاء العقلانيين الذين لا يمكن ان يعطوه أكثر من نصف نجمة بالنظر الى وجوه العاملين فيه فقط والتى توحى بالبلادة والفقر التام ... أما الحجرة الشاغرة فهى فى الدور الثالث وبلا أسانسير ... يا هدة حيل أمى ... كانت دى مشكلة فعلاً ... أمى متقدرش تطلع كل ده كل يوم ... لكن "سانجاى" قال ممكن نقضى الليلة هنا وفى الصباح نبحث عن أوتيل جديد أكثر ملائمة ... وقد كان ... تركت أمى بالغرفة ونزلت معهم ألقى نظرة على محيط المكان ... كانت منطقة متوسطة – بالمفهوم الهندى – لكن كان أمامنا مول كبير وسينما تدعى "فيشال" ومطعم ماكدونالدز على الرصيف المقابل ... ودعونى تاركين لى أرقام تليفوناتهم و"اذا احتاجتى أى حاجة" وكلام من المصرى الصميم اياه ده ... رجعت الأوتيل وأمى طبعاً كانت على آخرها لكن متكلمناش ... من ناحية أنا حذرتها ومن ناحية ليس فى الامكان أبدع مما كان ... دلوقتى نطبق مبدأى فى الحياة ... ننام والصباح رباح

5 comments:

Badr said...

رحله جديده، فعلا كنت مستني البلوج ده زي ما بستني الحلقه الجديده من مالكوم ان ذا ميدل علي اي حال، انا سعيد بأنك رجعتي لمغامراتك تاني بس شهلي شويه و يلا اكتبي عن باقي الرحله، و بالمناسبه هو انت كمبيوتر سينس صح؟

Samia said...

LOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOL
بغض النظر إن "هى سفرية باينة من أولها" .. إلا إنى وقعت على ظهرى من الضحك فى كام حنة .. برافو بابى بلو .. يلاا كملى .. مش قادرة أستنى

Samia said...

aahhh .. bel monasbaa .. enty computer science .. sa7 ?!

Babyblue said...

Howa eh 7ekayet computer science ma3ako??
Ah! feeha 7aga?

Anonymous said...

7AMDELLAH 3ALSALAMA
WALLAHI LEKI WA7ASHA
{KASEHE}.. YA3NI (EZAYEK)BAS BELHENDI
MA7NA BARDO BEN3RAF HENDI :)

ELBLOG KAN MDALEM WENTY MESAFRA
MESH KONTI T2OLI ENNK MESAFRA ELHEND.. DANA 7ABAYBI KTEER HENAK
3MOMAN,LAW NAWYA TRO7E AFGHANESTAN.. EB2Y 2OLELY ABLAHA
..
7AMDELLAH 3ALSALAMA MARRA TANYA .. WENAWARTY ELBLOG
BELMONASBA..HOWA ENTY COMPUTER SCIENCE!!!
:P